الجنيدي يحذر: أسمدة وصبغات مسرطنة تستخدم لصبغ البندورة والموز والكاكا
مشتل الجنيدي... حين تجتمع المعرفة والإطلاع المتواصل مع العمل الحثيث
ماهر الجنيدي: البطيخ الفلسطيني سيعود هذا الربيع بعد ثلاثين عاماً من الانقطاع
![](img33/main7p1.jpg) |
ماهر في مشتله |
ر. ع.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ليس حجم الإنتاج الوفير والمتنوع لمشتل الجنيدي الزراعي الأضخم فلسطينياً والمتفرع في مناطق عدة من الوطن، ناشراً الخضرة وأصنافا عديدة ومبتكرة من الخضار والفاكهة هو الكيف الذي يقاس به النجاح، ولكن كسر قاعدة المستحيل والغوص في عوالم التقنيات الزراعية الحديثة واستمرار المحاولة حتى تحقيق الأهداف، كان عنصر تميزه بين المشاتل الأخرى. من مقره الرئيس "شركة الجنيدي للتوريدات الزراعية" تحدث أحد مؤسسيه المهندس الزراعي ماهر الجنيدي لآفاق البيئة والتنمية عن قصة نجاح المشتل.
بالشراكة مع أشقائه وبرأس مال بسيط قدره ألفي دينار، أسست عائلة الجنيدي مشتلاً على رقعة أرض( نصف دونم) في منطقة الجنيد بالقرب من جامعة النجاح (الموقع السابق) بداية الانتفاضة الأولى، ليكون بمثابة نواة صغيرة لتحقيق الاكتفاء الذاتي الفلسطيني كأحد أشكال التحرر والصمود التي دعت لها لجان المقاومة الشعبية آنذاك. فبدأ المشتل ينتج بذوراً وأشتالاً غطت القرى المجاورة ثم المدينة، وهكذا حتى وصلت توريدات الجنيدي لكل محافظات الوطن.
|
العديد من الأشجار في الضفة الغربية مصدرها مشتل الجنيدي |
ثبوت الرؤية وتحقق الحلم
وبعد اكتساب وفرة من الخبرة الزراعية، تم الانتقال لموقع سهل دير شرف، نابلس عام 1994 الذي اختير لبعده عن الأشجار المروية ما يشكل عنصر وقاية من الأمراض النباتية المعدية، وبعد عام من اختيار الموقع ثبتت الرؤية والهدف وتحققت الكثير من الابتكارات الزراعية الحديثة، وتم إنتاج آلاف الشتلات من مختلف الأصناف، عدا عن صناعة البيوت البلاستيكية والخيام المضادة للحريق.
يقول ماهر: "أنتجنا حتى اليوم 30 مليون شتلة خضار، واعتمدنا خلال السنوات على نهج تحسين الأصناف والتحولات الجينية، عبر تنفيذ العديد من الأبحاث بالتعاون مع طلبة كلية الزراعة في جامعة النجاح، كما أننا الوحيدون الذين بدأنا مشروع إنتاج عنب بدون بذر بعد أن كان حكراً على إسرائيل، وكنا الأوائل في زراعة فاكهة الدراق والقرنبيط الملون من أصباغ هلام البحر".
لأول مرة منذ ثلاثين عاماً البطيخ فلسطيني 100%
حين دب وباء في الأرض الفلسطينية منذ ثلاثين عاماً، استهدف ثمرتي البطيخ والشمام المزدهرتين آنذاك والوفيرتين (كانتا تصدران لعدد من دول الخليج والسعودية) فقضى عليهما لأكثر من ثلاثة عقود، فأصبحت زراعتهما حكراً على الإسرائيليين طوال تلك المدة، استطاع المشتل بعد بحث طويل وقراءات حول تجربة اليابانيين في إنتاج أضعاف من محصول البطيخ المقاوم للأمراض، ومن ثم استيراد بذور من شركة عريقة في هولندا، وعقد لقاءات مع مهندسين في الأردن وسوريا وتركيا، استطاع المشتل اكتشاف السر بعد تجارب عدّة، وذلك عبر طريقة تركيب نبات اليقطين على شتلة بطيخ وزراعتها في حاضنة خاصة بنيت محلياً، وحيث تمت العملية بنجاح، سيعلن ماهر عن إطلاق المشتل للمحصول الأول من البطيخ في آذار الحالي، بإنتاج 150 ألف شتلة في مشتل جنين، وقد تم دعمه من قبل وزارة الزراعة الفلسطينية بقيمة وصلت إلى 200 ألف شيقل، ما سيوفر مستقبلاً ملايين الشواقل التي كانت تدفع لاستيراد البطيخ من الإسرائيليين.
وحين خاطب ماهر الجهات الرسمية لتقديم الدعم، قال لهم: " قبل منع التاجر من شراء بطيخ المستوطنات، يجب إيجاد البديل، فماذا سيصنع الأب الذي اشتهى ابنه البطيخ؟؟"
![](img33/main7p2.jpg) |
![](img33/main7p3.jpg) |
بذور وأشتال في مشتل الجنيدي |
صواني تشتيل في مشتل الجنيدي |
العلم يصنع عجائباً في مشتل الجنيدي
ما يميز مشتل الجنيدي على حد قول ماهر، هو وجود التطوير والفكرة الجديدة والمبادرة، فالمشتل في عملية بحث دائمة عن ابتكارات العلم الحديثة في المجال الزراعي. إضافةً إلى وجود ثلاثة مهندسين زراعيين على إطلاع دائم، يأخذهم أحياناً في بحثهم عن العلم حتى الصين.
وعكس ما يعتقد عن صاحب العلم، لا يتوانى ماهر في شرح التقنيات الزراعية التي توصلوا إليها للمزارعين والمختصين بقوله: "أعداؤنا (المحتلون) علموني الكثير من أسرار الزراعة، فكيف أمنعه عن أبناء جلدتي".
وأضاف أن الوضع الزراعي من خلال زياراته للوطن العربي على وجه الخصوص مؤلم، حيث تندر مساعي التطوير والجهود . وقال في هذا الصدد: "حين نلتقي نظراءنا في المعارض الدولية الزراعية، يبهرون من انجازاتنا ويقولون انتم مشتل "HI TEC " كما أن خبرتنا مطلوبة اليوم لإفادة المزارعين في موريتانيا والجزائر والسودان وإثيوبيا".
إلتفاتة لوزير الزراعة وحلم مزدان بالنخيل
وثمّن ماهر مساعي وزير الزراعة إسماعيل دعيق مستشرفاً بأن التاريخ سيكتب عنه لجهوده الحثيثة في جلب رؤوس الأموال الفلسطينية إلى الاستثمار في الوطن، حيث سيصبح في أريحا في السنوات القادمة على سبيل المثال 50 ألف شتلة نخيل بعد ان كانت لا تزيد عن 5 ألاف، إضافة إلى أهمية مشروع سد العوجا لتوفير المياه، وحملة تشجير فلسطين.
" سيسير ابنك في أريحا بعد عشر سنوات ويراها واحة خضراء مليئة بالنخيل". قال ماهر معتزاً بحاضر اليوم وغد المستقبل.
يحلم ماهر بتطوير تقنية الزراعة بالخلايا في السنوات القادمة والتي ستزيد من الإنتاج وتحسن النوعية، فمن جزء صغير من الشتلة يتم إنتاج مليون مثلها، مشيرا إلى وجود 13 محطة مماثلة في إسرائيل.
الأغوار نموذج على تهالك التربة بفعل الأسمدة الكيماوية
يعترف ماهر باستخدام الأسمدة الكيماوية في المشتل، لكنه يصّر على انتهاجه الطريقة المتوازنة الآمنة، ملتزماً بالنشرات المرفقة، لكن في المقابل يستخدم السماد العضوي "الكمبوست" بشكل دائم في مشتل الأشجار المثمرة في جنين، متأملاً الاستفادة مستقبلاً من تجارب الدول المتقدمة في الزراعة العضوية.
وقد أشاد بتجارب الدول المتقدمة في إيجاد بديل عن الأسمدة الكيماوية، مستشهداً بمعرض دولي للزراعة زاره مؤخراً، وضمن الزاوية التركية، شاهد ثلاثة عناوين لشركات أسمدة كيماوية، مقابل 30 شركة سماد عضوي، حيث تم إنتاج بعضه من طحالب البحار.
يتخوف ماهر في الوقت نفسه من خطر مغالاة المزارعين في استخدام الأسمدة الكيماوية ليس على صحة الإنسان فحسب، بل أيضا على التربة التي ستتسمم، وهذا فعلاً ما يحصل في الأغوار اليوم، حيث وصلت نسبة التسمم ميلي موز8 / سم، والرقم في ارتفاع، في ظل درجات الحرارة المرتفعة وانخفاض معدلات سقوط الأمطار.
لكنه حذّر من بعض الأسمدة المسرطنة المستخدمة لإضفاء لون مشرق على أنواعٍ من الفاكهة والخضراوات كالموز والكاكا والبندورة (الاتريل)، لافتاً إلى ضرورة انتباه المستهلك إلى لون البندورة، فإذا كانت خضراء من الداخل وحمراء من الخارج فتكون قد اكتسبت لونها بنقعها بصبغات كيميائية خطرة.
غلاء المبيدات يصب في مصلحة المستهلك
وحول المبيدات فطمأن ماهر المستهلكين، بأن غلاء أسعارها في السنوات الأخيرة أبعد المزارعين عنها، أو جعلهم يستخدمونها بنسب ضئيلة، وبالنسبة له فهو يستخدم المسموح به للوقاية وللقضاء على الفطريات وذبابة البحر المتوسط، مؤكدا أن زراعته للخضراوات والأشتال الصغيرة في صوانٍ من الفلين يقي من الكثير من الأمراض، لأنها تُعقّم بعد كل دورة زراعية.
الفراولة "شجرة أم نبات أرضي؟"
بينما كانت ابنة ماهر الصغيرة في الصف تتعلم، سمعت معلمتها تتحدث في الحصة الدراسية بأن الفراولة شجرة!! الأمر الذي استوضحته الابنة من والدها، فما كان منه إلاً أن ذهب إلى المشتل، وجمع عدة أصص لشتلات الفراولة، وقدّمهم كهدية للطالبات مع معلمتهن، حتى يتعرفن على أن الفراولة نبات ارضي وليس شجرة.
وعن المشتل الذي يقضي فيه ماهر وقته من السابعة صباحاً وحتى الخامسة مساءً، ختم: "الهدف لم يكن المردود المادي، لأن المال يجيء ويذهب، الأهم هو الأساس العلمي والإتقان المهني، فآثار مشتلنا وصلت إلى جميع محافظات الوطن، وحديقة ضريح الرئيس ياسر عرفات توقيع لإسمنا وبصمة نعتز بها".
|
توت أرضي من إنتاج مشتل الجنيدي |
|