رغم إصدار قرار بإغلاقها
المحاجر في الخليل تواصل تدمير البيئة والإنسان
مدرسة حيفا الأساسية في بلدة بني نعيم تقع وسط محجر
|
المحاجر تحاصر المساكن والاحياء السكنية |
ثائر فقوسة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رغم أن مقالع الحجارة تشكل احد أهم الصناعات في فلسطين، لمساهمتها بشكل كبير في الاقتصاد الوطني، إلا أنها من أكثر الصناعات التي تقام بشكل عشوائي ودون ترخيص، فتعود بضرر بيئي كبير على الأرض والإنسان، سيما أن أغلب المحاجر تتواجد وسط الأحياء السكنية، وبالقرب من الأراضي الزراعية. وفي قرية بني نعيم في محافظة الخليل، صدر قرارٌ من مجلس الوزراء الفلسطيني يقضي بإغلاق نحو 15 محجراً، ما يعدّ خطوة إيجابية لصالح المواطنين.
|
|
المحاجر في بني نعيم التهمت ودمرت الأشجار والمساحات الخضراء ولم تترك سوى المنازل والحجارة |
بلدة بني نعيم وقد تحولت الى محاجر
|
واقع مرير
مدير صحة البيئة في الخليل المهندس ياسر عيسى، أشار إلى استلام العديد من الشكاوي المطالبة بوضع حدٍ لمخاطر المحاجر في المحافظة، خاصةً في بلدة بني نعيم، حيث تبين أن سكان البلدة يعيشون وسط أكوام من الحجارة المتراكمة في كل مكان، وسحب الغبار كالضباب تملأ السماء، وضجيج الآليات والشاحنات يفسد هدوء البلدة، كما أن رواسب المحاجر تغير لون الأراضي الزراعية التي أخذت تتلاشى، عدا عن افتقار هذه المحاجر لأدنى شروط السلامة العامة الواجب توفرها لإنشاء هذه المشاريع.
ونتيجة لهذه المشاهدات القاتمة أصدرت المديرية إخطارات بوقف عمل معظم المحاجر، وطالبت أصحابها بإعادة تأهيلها بعد إغلاقها، وقامت الدائرة بإيصال معاناة المواطنين إلى مجلس الوزراء، الذي اصدر قراراً عام 2010، يطالب بإغلاق المحاجر في البلدة، ولغاية كتابة هذا التقرير، يستمر بعضها في العمل، دون الاهتمام بما تسببه من مشاكل بيئية بحق الأرض والإنسان.
أمراض
لم تتوقف أضرار المحاجر على تشويه الطبيعة وقتل الحياة النباتية فيها فحسب، بل تعدتها إلى انتشار الأمراض بين المواطنين، حيث أفاد مصدر من قسم الصحة في بلدة بني نعيم، بأن هناك نسبة كبيرة من سكان البلدة يعانون من الربو وأمراض الكلية إضافة إلى السرطان، عدا عن فقد بعض المواطنين لحياتهم نتيجة حوادث وقعت في المحاجر، أو تسببت بها الآليات، وتابع المصدر بأن معظم محاجر بلدة بني نعيم غير مرخصة وأقيمت وسط الأحياء السكنية، كما أدت المحاجر إلى تخريب البنية التحية خاصة في قطاع الشوارع لكثرة عبور الشاحنات والحفارات عليها، ولعدم وجود شبكة صرف صحي، فإن الناتج عن المحاجر من المياه المحملة بالرواسب تصب في الأراضي المحيطة، أو تجمع على شكل مستنقعات، ما سبب مشكلة بيئية إضافية بحق التربة والنباتات، وتابع المصدر أن البلدية تبذل كل جهدها مع المؤسسات المعنية لوقف هذه المحاجر وإعادة تأهيلها وزراعتها بالأشجار لتعود البلدة خضراء.
|
|
اغنام في بني نعيم تفتش وسط حجارة المحاجر عن عشبة خضراء تأكلها فلا تجدها |
مدرسة حيفا الأساسية في بلدة بني نعيم تقع وسط محجر
|
الحل هو الرحيل
"لم استطع الاستمرار بالسكن بالقرب من المحاجر وخوفا على أولادي قمت ببيع منزلي ورحلت..." . بهذه الكلمات بدأ أبو احمد حديثه مؤكداً بأن الغبار وصوت الآليات كانا يحرمانه من العيش بسلامة، كما ان أطفاله كانوا عرضة للسقوط بالمحجر الذي يقع بمحاذاة منزله ويزيد عمقه على 20 م، لافتاً إلى أن بعضاً من السكان، يستغلون أصحاب المقالع مادياً مقابل السكوت عن الأخيرين وعدم تقديم شكاوى ضدهم.
فيما أشارت إحدى معلمات مدرسة حيفا الأساسية التي تقع وسط محجر، بأن صوت الآليات المرتفع يزعج الطلاب ويضعف استيعابهم ويؤثر سلبا على العطاء في التدريس لدى المعلمات، كما يجعل الطلاب عرضة للإصابة بالأمراض، فليس من العدل إبقاء نوافذ المدرسة مغلقة أو منع الطلاب من الخروج في حصص الرياضة أو الفسحة، مطالبةً الجهات المختصة بوضع حد لهذه المشكلة. فيما قال (س، ع) احد أصحاب المحاجر بأن قرار إغلاق المحاجر ليس منصفا، سيما بعد إنفاق آلاف الشواقل للكشف عن الحجارة التي تعد من أهم الصناعات وتستوعب مئات العمال. وطالب الجهات المختصة بوضع شروط صحية وبيئية لضمان سلامة المواطنين والبيئة، مقابل الاستمرار في العمل.
مهلة مؤقتة
بعد قرار مجلس الوزراء بإغلاق المحاجر، قامت مؤسسة المصادر الطبيعية الفلسطينية بزيارة المحاجر ممهلةً أصحابها 20 – 60 يوماً لإغلاقها بشكل كامل وإعادة تأهيلها وزراعتها، حيث تنتهي هذه المدة خلال الأيام القليلة المقبلة، هذا ما أكده عزام العمور مدير المصادر الطبيعية، حيث تم توقيع بعض أصحاب المحاجر على كتاب عدلي ملزم بالإغلاق، وسمح لبعضهم بإخراج ما تم نشره من حجارة خلال مدة محددة، ومن لا يلتزم بهذا القرار، سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، وقد أكد العمور بأن معظم المحاجر المقامة في الأراضي الفلسطينية غير مرخصة، وأن هناك إجراءات مناسبة ستطبق بحق هذا القطاع الاقتصادي المهم الذي يعمل به آلاف العمال، حيث لا يسمح لأي شخص بإنشاء محاجر إلا في مواقع مخصصة بعيدة عن السكان، وضمن الشروط الصحية والبيئة المناسبة لإنشاء مثل هذه المشاريع.
الأخطار الناتجة
مما تقدم، تظهر مدى المشاكل التي تلحقها هذه المحاجر بحق الطبيعة ومكوناتها، فمن تدمير وتجريف للأراضي إلى موت النباتات والأشجار وإصابة المواطنين بالأمراض وتلويث للمياه الجوفية، فعلى الرغم من كون هذه الصناعة مهمة وتعود بالنفع والربح على أصحابها، لكن أضرارها أكبر وأبشع، واستمرارها بهذه الصورة في بلدة بني نعيم، سيجعل حياة المواطنين أكثر صعوبة، وأراضيها أكثر خرابا ودمارا، فهل ستُترك هذه المحاجر تعمل؟ أو سيجبر السكان على الرحيل؟!
|
|
بلده بني نعيم وقد تحولت الى اكوام من الحجارة |
زحف المحاجر اتجاه الاراضي الزراعية وتدميرها |
هل يعقل وجود مدرسة أطفال وسط محجر؟ هل يعيش الفلسطينيون في العصور الحجرية؟ ولماذا يتواصل الصمت الرسمي المشبوه على هذه الجريمة البيئية والصحية والإنسانية النكراء؟ إنه لعار على وزارات الصحة والبيئة والتربية أن تواصل تجاهل هذه الجريمة الإنسانية التي يندى لها الجبين ...
مخلص عاصي
|