الاستخدام العشوائي للمبيدات الزراعية في الأغوار ينذر بكوارث حقيقية

بندورة للتسويق إلى جانب المبيدات الكيماوية القاتلة في الأغوار

 

رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

    تعاني منطقة الأغوار الفلسطينية التي تشكل مساحتها ما يقارب ثلث مساحة الضفة الغربية من انتشار الاستخدام المفرط للمبيدات الحشرية الخاصة في مكافحة الآفات الطبيعية للزراعات الحقلية، والتي تستخدم من قبل المزارعين بشكل غير منظم  بغض النظر عن مصدرها سواء أكانت مرخصة أو حتى محرمة دوليا.

   وتكمن الخطورة الحقيقية من تداول  المبيدات، في أن السواد الأعظم من  المزارعين يفتقدون للحد الأدنى من الوعي حول أضرار استخدام تلك المبيدات على الصحة والبيئة باختلاف مصدرها، بالإضافة للطرق المثلى في التعامل معها وكيفية التخلص من العبوات الفارغة منها، فالمعيار الأساسي عند المزارع  يتمثل فقط في مدى فاعلية تلك المبيدات في مقاومة الآفات بغض النظر عن الآثار الجانبية لتلك المبيدات التي تفتك بالبيئة والتنوع الحيوي في المنطقة، وتؤدي إلى ترسب متبقيات تلك المبيدات في جسم الإنسان لينتهي به المطاف إلى "غول  السرطان".

فوضى المبيدات الكيماوية في المزارع الفلسطينية بالأغوار دون حسيب أو رقيب

رقابة ضعيفة
ويكشف المهندس محمد سليمان صوافطه الباحث في علم الآفات الزراعية في الأغوار الشمالية أن هناك ضعفاً من قبل الجهات الرسمية في فرض رقابة شديدة وصارمة  للحد من انتشار تلك المبيدات القاتلة، حيث أن جميع المعطيات الميدانية تشير إلى أن عدداً كبيراً من المزارعين لا يراعون فترة الأمان في استخدام المبيدات الحساسة مثل "كنفدور" و كذلك "نيوتكس"، بالإضافة إلى "الديكوفول" و"الليندين" حيث ترش بها البندورة والخيار والكرز والعنب. وتنتمي هذه المواد إلى ما يسمى بالمبيدات الحشرية الكلورية العضوية وهي مواد مسرطنة وتؤدي إلى تعطيل إفراز الهرمونات الطبيعية في الجسم، وتسبب تشوهات في الأجنة وفقراً في الدم وتلف جهاز المناعة والجهاز العصبي، كما أن لها آثاراً ضارة على الرئة والكلى والكبد وكرات الدم .

    وأشار إلى وجود قسم كبير من المزارعين ممن يستخدمون تلك المبيدات وخاصة عند المراحل الأخيرة من نضج الثمار، ثم يجنون الثمار في اليوم التالي دون مراعاة فترة الأمان عند استخدام تلك المبيدات       والتي تتراوح مدتها من 30  إلى 40 يوما، مما ينعكس بشكل سلبي على حياة وصحة المواطنين ويؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها".

مبيدات كيماوية تخزن بين المزروعات

تشكك الجهات الإسرائيلية يكون أحياناً في محله
كما تطرّق المهندس محمد صوافطه إلى اتفاقية التبادل التجاري المبرم ما بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ضمن اتفاق أوسلو، الناص على حرية التبادل الزراعي بين الطرفين، ولكن ما يحدث على ارض الواقع هو  أن الجهات الإسرائيلية ذات العلاقة، تقوم بفحص عينات عشوائية من الخضار والفواكه، وذلك قبل استيرادها أو الشراء الفعلي، وإذا كشفت العينة زيادة نسبة المتبقيات الكيمائية السامة في عصارة النبات،  يقوم الجانب الاسرائيلي بإرجاع كامل الشحنة لتلقى طريقها مباشرة إلى الأسواق الفلسطينية، وتباع هناك دون حسيب أو رقيب.

   وبحسب المهندس صوافطه فإن هناك العديد من المبيدات المحرمة دوليا تم الكشف عنها خلال عمله   الميداني في الأغوار الشمالية حيث تستخدم على مستوى واسع في مكافحة الحشرات، و هذه المبيدات تباع تحت مسميات تجارية مختلفة على الرغم من أن وزارة الزراعة حرمت الاتجار بها و تداولها، حيث تشترك هذه المبيدات بوجود المواد الفعالة التالية والمحرمة دوليا وهي: Fobiddien, pencoazole, mexthy fenozide, methicarb, kresoxim- methyle, difenoconazole والتي يتم تداولها إما من خلال بيعها بواسطة التجار الإسرائيليين لتنتقل إلى التجار الفلسطينيين ومن ثم إلى المزارع الفلسطيني، أو من التاجر الإسرائيلي مباشرة إلى المزارع الفلسطيني،  ويتم تسويقها على اعتبار أنها مبيدات فعالة رخيصة الثمن لتقع بين يدي المزارع الذي لا يدرك حجم الكارثة المتوقعة من جراء استخدام تلك المبيدات سواء على صحة الإنسان أو على التنوع الحيوي في المنطقة.

المبيدات وعبواتها خطران يحدقان بالبيئة
و أكد م. صوافطه على وجود مشكلة أخرى توازي مشكلة المبيدات وهي المخلفات البلاستيكية الناتجة عن العبوات الفارغة الخاصة بالمبيد، حيث قال: "هناك معضلة حقيقية في التخلص من المخلفات البلاستيكية  الزراعية والعبوات البلاستيكية الفارغة الخاصة بالمبيدات، والتي يتم التخلص منها بطرق عشوائية بدون مراعاة شروط السلامة العامة مما يؤدي إلى عبث الأطفال بها، علاوة على  التبعات السلبية التي تنتج من تلك العبوات الفارغة والتي تمس بالمزروعات  والتنوع الحيوي  وحتى المواشي جراء بقايا المبيدات الموجودة في تلك العبوات والتي تعتبر موادَ سامة وقاتلة".

   وأضاف بأن هناك العديد من المزارعين اعتادوا استخدام تلك العبوات في حفظ ماء الشرب دون وعي منهم لمدى خطورة استخدام تلك العبوات على صحة الإنسان، مما ينذر بكوارث حقيقية.

قلة الوعي تسبب الموت
من جهته أكد السيد جمال خورشيد مدير اتحاد الفلاحين في الأغوار الشمالية بأن قلة الوعي عند شريحة واسعة من المجتمع لها بالغ الأثر السلبي على صحة المزارعين وعلى النبات، حيث استعرض السيد خورشيد قصة المواطن هارون ابو محسن من قرية كردله، والذي توفي من جراء استنشاق المبيد أثناء عملية الرش نتيجة عدم مراعاة شروط الصحة العامة في استخدام المبيدات، وكذلك قصة المواطن احمد توفيق السباعي من قرية بردله الذي فقد ستة رؤوس من الأبقار نتيجة  إصابتها بالتسمم المعوي الناتج عن رش النباتات بكميات مركزة من المبيدات فوق المستوى المطلوب.

التنوع الحيوي في خطر
ولا يقتصر الاستخدام الخاطئ للمبيدات بأضرار على الإنسان وصحته وفق ما ذكر د. بنان الشيخ أستاذ التنوع الحيوي في جامعة القدس أبو ديس، بل تعداها إلى مخاطر ذات أبعاد متعددة تلحق بالبيئة والتربة والمياه السطحية ولربما المياه الجوفية.
ويضيف الدكتور الشيخ: بأن هناك مخاطرَ حقيقية تؤدي إلى إنهاء  جزءٍ من التنوع الحيوي والنباتي للنباتات الطبيعية من خلال القضاء على الحشرات الطبيعية وأنواع عديدة من الطيور وبعض النباتات وخاصة  النباتات النادرة والمهددة بالانقراض.

   من جهته حذر المهندس صادق عودة المختص في الزراعات العضوية في الإغاثة الزراعية والتنمية الريفية في قلقيليه، وذلك في حديث مع وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا)، من خطورة الإفراط في استخدام المبيدات الحشرية لما تحتويه من مواد خطرة على البيئة والصحة العامة حيث ذكر استخدام نحو 143 نوعاً من المبيدات منها 14 نوعاً منع استخدامها من قبل منظمة الصحة العالمية، بالإضافة إلى سبعة أنواع أخرى من مجموع الاثني عشر نوعاً القذرة.

    وأضاف: "أن ما يستهلك من هذه المبيدات في محافظات الضفة الغربية يقدر بنحو 502 طن سنوياً، منها 200 طن من "مثيل برومايد"، الذي يستخدم في تعقيم التربة في الزراعة المروية ويؤثر سلباً على طبقة الأوزون، وعلى تلوث المياه الجوفية وخاصة في منطقتي قلقيلية وطولكرم، كما أن حصة الفرد في فلسطين من المبيدات تبلغ 4 كغم، وهذا رقم مرتفع إذا ما قورن عالمياً، أو حتى على مستوى الوطن العربي حيث يبلغ في الأردن على سبيل المثال 2 كغم لكل فرد".

  وشدد عودة على خطورة هذه المبيدات باعتبارها أسرع طريقة للموت، حيث تسبب السرطانات وتهدد كل من يقترب منها بالتسمم، سواء عن طريق اللمس أو الأكل أو الشرب.

سموم الأسمدة تصل حتى البيت 
وقال عودة: "إن مخاطر هذه المبيدات تصل إلى أي إنسان حتى لو كان في بيته طالما أنها استخدمت في رش الخضراوات وأشجار الفاكهة والحبوب وغيرها من المأكولات التي يمكن أن يتناولها أي فرد وهو لا يعرف أنها مسممة، بالإضافة إلى محاصيل الأعلاف، حيث أنه إذا تم رشها، وأكلها الحيوان فإن اللبن والجبن واللحوم تحتوي على سم المبيدات وهنا يكمن الخطر".

وأشار إلى الحقائق المؤلمة نتيجة استخدام المبيدات بشكل عشوائي على مدى 40 عاماً، والتي هي بمثابة قتل مع سبق الإصرار والترصد وإن كان بطيئاً ومنظماً في آن واحد. ويذكر أن عشرات الدراسات قد أكدت تراكم العناصر الثقيلة مثل الرصاص والزنك والكادميوم في التربة وامتصاص النبات لها، ثم انتقالها عبر المواد الغذائية إلى الإنسان والحيوان معاً، فيما انتقل قسم آخر إلى المياه الجوفية مما أدى إلى تسممها".

ونوّه من أن تراكم متبقيات المبيدات يؤدي إلى تضخم في الكبد واضطرابات في وظائفه، ظهور أعراض تصلب الشرايين واضطرابات الأعصاب الطرفية المتعددة، حدوث اضطراب في كهرباء الدماغ، إضافة إلى ازدياد حالات سرطان القولون والكبد في الأعمار الصغيرة تحت سن الثلاثين، كما تسبب سرطانات الجلد والرئة.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية