مؤتمر مائي إسرائيلي-إيطالي في "مركز بيرس للسلام" شارك فيه فلسطينيون
ماذا يكمن خلف "الحماسة" الإسرائيلية لحث الفلسطينيين على معالجة مياههم العادمة؟

د. كليب ليفشن من معهد عربة الإسرائيلي في مؤتمر مركز بيرس للسلام- ما نسعى إليه هو تحديد مواقع في مناطق السلطة الفلسطينية يمكننا أن ننفذ فيها مشاريع مشتركة

ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية

نظمت، مؤخرا، البعثة التجارية الإيطالية في إسرائيل، بالتعاون مع "معهد عربة" الإسرائيلي، مؤتمرا دوليا في "مركز بيرس للسلام"، بهدف دراسة إمكانية إدارة وتطوير الموارد المائية في إسرائيل وفي مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني.  وشارك في المؤتمر "خبراء" إيطاليون وإسرائيليون وفلسطينيون؛ برز بينهم "ألردو فورلاني" مؤسس شركة الاستثمارات الإيطالية INNOVA .  وقال الأخير بأنه وخبراء آخرين بصدد دراسة التقنيات المتاحة، بهدف عرضها على مستثمرين دوليين ليستثمروا في المشاريع المائية الإسرائيلية.  ويعتبر المؤتمر، بحسب منظميه، "حجر الزاوية لتطوير برنامج تأهيلي لبضع سنين يهدف إلى الدفع قدما بمشاريع تكنولوجية دولية مشتركة لإدارة ومعالجة الموارد المائية القليلة في المنطقة".
وناقش المؤتمر مسائل تتعلق بالمياه العذبة والمياه العادمة وما تشكله الأخيرة من مخاطر بيئية وصحية في حال عدم معالجتها؛ علما بأن إسرائيل تدعي بأن السلطة الفلسطينية لا تبذل الجهد اللازم لمعالجة المياه العادمة الناتجة من مناطقها.  بينما تتهم السلطة إسرائيل بإعاقة تطوير بنية تحتية للمياه العادمة في الضفة الغريبة.
وبالرغم من أن مسألة معالجة المياه العادمة في مناطق السلطة الفلسطينية أثيرت مرارا وتكرارا، إلا أن إسرائيل تتجاهل تماما أنهار مياه المجاري المتدفقة بوضوح نحو الأراضي الزراعية الفلسطينية من المستعمرات والقواعد  العسكرية التابعة لجيش الاحتلال؛ علما بأن تدفق المياه العادمة غير المعالجة نحو الطبيعة وفي الأراضي المفتوحة والوديان تتسبب في أذى بيئي خطير، وبخاصة تلويث المياه الجوفية. 

مشاريع مائية مشتركة في ظل الاحتلال
وعشية انعقاد المؤتمر المذكور، دُشِّن في قرية العوجا قرب أريحا، جهاز لمعالجة المياه العادمة التي تتدفق من مناطق السلطة الفلسطينية إلى إسرائيل، علما بأن السلطة طورت المنشأة بالتعاون مع إسرائيل.  ويهدف المشروع إلى تدوير المياه العادمة وإعادة استعمالها في الزراعة.  وتبلغ تكلفة الجهاز خمسة آلاف دولار، وهو لا يستهلك طاقة، كما لا يتطلب معاملات جدية أو معقدة.
والسؤال المطروح هو:  ما سر التعاون الإسرائيلي-الفلسطيني الرسمي في مجال المياه والمياه العادمة؟  وفي ظل الاحتلال، هل يمكن أصلا لهذا التعاون ألا يصب في سياق المشاريع الإسرائيلية المائية الإستراتيجية الهادفة إلى تثبيت وشرعنة النهب الإسرائيلي للموارد المائية الفلسطينية والعربية؟  علما بأن الوضع المائي الذي كان سائدا منذ ما قبل أسلو وحتى اليوم لم يتغير في الجوهر، بل إن الاتفاقيات ثبتت الوضع القائم قبلها؛ إذ لا تزال إسرائيل تسيطر وتتحكم بشكل فعلي وكامل ومطلق بموارد المياه الفلسطينية واستخداماتها وإدارتها وتوزيعها.
ومع إقامة الجدار الكولونيالي، ضمت إسرائيل المستوطنات الواقعة فوق المناطق الغنية بالمياه إلى غرب الجدار.  وحيث أن هذه المناطق تحديدا تحوي أضخم احتياطي من المياه يمكن أن تعتمد عليه أي "دولة فلسطينية مستقبلية"، فإن سلخ هذه المناطق لصالح إسرائيل، يعني منع الفلسطينيين من تطوير مصادرهم المائية في الحوض الغربي، وبالتالي فإن مثل هذه الدولة ستكون دون مخزون استراتيجي من المياه.                                                                                           

تكريس النهب الإسرائيلي للمياه
ومن المعروف أن الاحتلال الإسرائيلي أهمل طيلة عشرات السنين إقامة البنية التحتية اللازمة لمعالجة المياه العادمة، علما بأن ما يسمى "الإدارة المدنية" الإسرائيلية لا تزال تضع العراقيل الكثيرة أمام تطوير شبكات المجاري ومحطات المعالجة، وتعيق إصدار التصاريح اللازمة لإنشاء محطات معالجة.
وقد نشاهد، هنا وهناك، تدفق المياه العادمة الفلسطينية في الوديان، وذلك، أساسا، بسبب منع الاحتلال الإسرائيلي للفلسطينيين إنشاء محطات معالجة النفايات السائلة، لأنها تقع في ما يسمى مناطق C الواقعة تحت السيطرة الأمنية والمدنية الإسرائيلية الكاملة.  وتتمثل الحالة الوحيدة التي قد توافق فيها سلطات الاحتلال على إنشاء محطات تنقية، في قبول السلطة الفلسطينية استخدام المستوطنين أيضا لمثل هذه المحطات.
ويكمن خلف "الحماسة" الإسرائيلية لحث الفلسطينيين على معالجة مياههم العادمة، دافع سياسي-أمني-استراتيجي يتمثل في ضمان إسرائيل مواصلة نهبها شبه المطلق للمياه الفلسطينية العذبة، وبالتالي مطالبة الفلسطينيين بسد عجزهم المائي الخطير الناجم عن السرقة الإسرائيلية المفتوحة للمياه، من خلال استعمال المياه العادمة في الزراعة؛ وبالتالي تكريس النهب الإسرائيلي للمياه.  
ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن الذي يشمل بحيرة طبريا.  وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي.
والجدير بالذكر أن إسرائيل لا تمتلك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا، مما يعني أنه مع تفاقم أزمة المياه ستزداد عملية النهب الإسرائيلي للمياه الفلسطينية.  وهذا يعني أيضا، أن الفجوة الكبيرة القائمة بين كميات المياه المتوافرة للمواطنين الفلسطينيين وبين احتياجاتهم المائية الفعلية ستتعاظم بشكل أخطر.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية