المحاصيل الكمالية وعواقبها البيئية والصحية
اختصاصيون وخبراء يحذرون من خطورة اعتماد قطاع غزة على زراعة المحاصيل المستنزفة للمياه داعين إلى إخضاعها لدراسات معمقة
|
|
|
جانب من المشاركين في ندوة الزراعات الكمالية |
ماجدة البلبيسي وسمر شاهين / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
حذر اختصاصيون بيئيون وخبراء من خطورة الاعتماد المتواصل على المحاصيل المستنزفة للمياه مثل الفراولة وزهرة القرنفل موصين بإدخال محاصيل جديدة للتصدير غير مستنزفة للمياه لحماية مصادر المياه والحد من هدرها، وإخضاع المحاصيل التصديرية لنظام دراسة معمقة، والبحث عن محاصيل تصديرية جديدة قليلة الاحتياجات المائية، إضافة إلى تبني طرق وأساليب الزراعة الحديثة.
ودعوا إلى تبني إستراتيجية موحدة من قبل وزارة الزراعة بالتعاون مع المؤسسات ذات العلاقة لوقف الهدر في مصادر المياه في ظل الأزمة الحادة التي يعاني منها القطاع، مع ضرورة السعي لإيجاد مصادر بديلة ومعالجة مياه الصرف الصحي، وتغيير نمط الزراعة.
كما شددوا على ضرورة تبني الدراسات والبحوث العلمية حول استخدامات المياه والمحاصيل الأكثر استنزافا للمياه، وتفعيل الرقابة على الآبار والحد من منح تراخيص للآبار، مؤكدين على دور وسائل الإعلام خاصة الجماهيري عبر "المساجد" في التوعية والتثقيف بأهمية الترشيد وتقنين استخدام المياه لوقف الهدر، حفاظاً على مستقبل الأجيال القادمة.
جاءت هذه التوصيات خلال ورشة عمل عقدتها مجلة آفاق البيئة والتنمية بعنوان "المحاصيل الكمالية في قطاع غزة وعواقبها البيئية والصحية" بحضور نخبة من المتخصصين والخبراء في مجال المياه والبيئة وإعلاميين، وذلك في مقر مركز معاً في مدينة غزة .
حيث قدم غسان قاسم من الجمعية التعاونية الزراعية في بيت حانون مداخلة فند فيها المعلومات المتناقلة حول كون محصولي الفراولة والقرنفل مستنزفين للمياه، مؤكداً أن الزهور تستهلك (1200) كوب من المياه سنويا وفترة زراعتها تصل إلى (330) يوم، أما محصول التوت الأرضي فتمتد فترة زراعته من شهر تشرين أول إلى شهر أيار، ويستهلك في المرة الواحدة 31 لتر مكعب من المياه أي ما يعادل(700) كوب من الماء للدونم الواحد.
عدم الوعي
وأشار قاسم إلى أن مشكلة الهدر تكمن في عدم وعي وجهل المزارعين بآلية الزراعة، موضحاً أن المزارع الذي يزرع الفراولة أو القرنفل يزرع بجانبها محاصيلَ أخرى كالجرجير والفجل والسبانخ، والتي تستنزف كميات إضافية من المياه، مشددا على أن محصولي الزهور والفراولة يستهلكان معدلاً طبيعياً من المياه لا يصل إلى حد الاستنزاف.
وقال قاسم: "لا يمكن أن ندخل أسواق العالم إلا بالمحاصيل التصديرية، وهناك محاصيل تزرع في غزة مجدية اقتصاديا، كالكزبرة والنعناع، والبصل الأخضر، والريحان والفلفل الرومي وغيرها، ويمكن أن تصدر إلى الخارج وتجلب العملة الصعبة، ولكنها تحتاج إلى اهتمام أكبر من قبل المزارعين ووزارة الزراعة، والاهم من ذلك هو ضمان فتح المعابر باستمرار لأنها سريعة التلف".
ولفت إلى أن الجمعية الزراعية تشرف على زراعة (310) دونم من الزهور ويعمل بها(350) مزارع زهور، إضافة إلى زراعة (187) دونم من التوت الأرضي يقوم بزراعتها( 29) مزارعاً ينتجون (700) طن، صُدر منهم( 315 )طن إلى أوروبا، مشيرا إلى أن صادرات الجمعية من التوت الأرضي تشكل ما نسبته 24% من إجمالي كمية التوت الأرضي المصُدرة.
"حوض التبخر"
المستشار الفني في الإغاثة الزراعية فلاح يونس، أشار أن هولندا تدعم زراعة 350 دونماً من التوت من أصل (950) من المساحة الكلية، موضحاً أن المعظم يعتقد أن محاصيل التصدير مستهلكة للمياه وأنها محدودة الفائدة، مقدماً عدة أدلة تفند الموقف السابق منها حيث لا يختلف عن استهلاك المياه في المحاصيل الأخرى مثل الخضروات أو الحمضيات مشيراً إلى أن الآلية المتبعة في ري محصولي الفراولة والزهور، تعتمد على قياسات تسمى "حوض التبخر" على مدار العالم وتختلف من موسم لموسم حسب كمية الأمطار ودرجات الحرارة والظروف المناخية، موضحاً أن نسبة التبخر للزهور قليلة جدا مقارنة بمحصول الفراولة باعتباره محصولاً عشبياً يغطى التربة.
وبين أن الإغاثة جل اعتمادها على الزراعة داخل الدفيئات، وبالتالي يتم تحديد كميات المياه التي يستهلكها كل محصول على حده، حيث يختلف حساب استهلاك المياه ما بين المحاصيل المثمرة، والمحاصيل قليلة الثمر.
وشدد يونس على أن مشكلة إهدار المياه تكمن في قلة وعي المزارعين وعدم إدارتهم لمصادر المياه بالشكل الصحيح وعدم استخدامهم تقنيات تحقق استهلاكاً أقل للمياه، وهذا الأمر ينفى أن الزهور والتوت الأرضي هما المحصولان الأكثر استنزافا للمياه، في ظل شح مصادر المياه الموجودة في القطاع.
ولفت إلى أن وجود محاصيل زراعية تستهلك كميات كبيرة من المياه هي غير مجدية اقتصاديا بالنسبة للمزارع، موضحا أن أفضل المحاصيل الزراعية ذات العائد المادي الكبير هي الفلفل الحلو، ومن ثم محصول الفراولة، ومن ثم الزهور، ومن ثم الخيار، وبعد ذلك الشمام، ومن ثم البندورة، ويليها الباذنجان، ومن ثم البطاطس، وأقل المحاصيل الزراعية عائدا ماديا هو البطيخ، مع أنه يزرع بكميات كبيرة في القطاع، ومن المفترض تقنين زراعته.
وأوضح أن المطلوب هو تقنين الإنتاج ورفع أسعار بعض المنتجات للمحافظة على السعر بحيث يبقى في صالح المستهلك والمزارع في آن واحد، أو التوجه لاستيراد البطيخ من الخارج لأن زراعته غير مجدية.
وقدم مقارنة حول كميات المياه المستهلكة في محاصيل الخضار والزهور وعلاقة ذلك بالإنتاج والأسعار والعائد المالي.
فلسفة الإنتاج
مدير نظم المعلومات بوزارة الزراعة م.نزار الوحيدي، قال:" أن القضية ليست خلافاً بين المحاصيل المنتجة أو غير المنتجة بل يجب أن يكون هناك محاصيل تصديرية ولكن القضية تكمن في فلسفة الإنتاج بحد ذاتها، ناهيك عن أن الوضع السياسي يلقى بظلاله السلبية على ما تخطط له وزارة الزراعة".
وطرح تساؤلات عدة حول عدم وجود تسعيره لكوب المياه، هل تعامل المياه حسب الجودة أو عمق البئر أو الاستخدام، التكلفة الاجتماعية للمياه، والسعر الحقيقي للمياه.
ودعا إلى ضرورة اختيار أفضل المحاصيل التي تحقق الأمن الغذائي في القطاع، ومقدار استهلاكها للمياه في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة نظرا لفرض الحصار، وتجريف الاحتلال الإسرائيلي لمساحات كبيرة من الأراضي، إضافة إلى شح مصادر المياه في القطاع وانهيار المنظومة المناخية في العالم، وتدني الأمطار.
إيجاد بدائل
كما وطالب الوحيدي المؤسسات الزراعية بإيجاد بديل تصديري آخر بدلا من التوت الأرضي والفراولة، يحقق عائداً مادياً ويستهلك كميات اقل من المياه، مؤكدا على أن القطاع يصدّر المياه للخارج بزراعة هذين المحصولين، موضحاً أن زهرة القرنفل الواحدة تكلف نحو 13 لتراً من المياه في حين يستنزف الكيلو الواحد من الفراولة ما يعادل (660) لتراً من المياه.
وقال لا يوجد استخفاف في قضية المياه حيث أن أكثر من 90% من مياه الشرب لم تعد صالحة للاستخدام، محذراً من حدوث انهيار مفاجئ للمياه، حيث تساهم الدول الصناعية الكبرى في تدمير البيئة بكل عناصرها ومكوناتها، ويجب أن ندفع ثمن ذلك، لأننا جزءٌ من المنظومة العالمية.
الالتقاء على سياسة واحدة
وأكد الوحيدي أن المطلوب هو الالتقاء على سياسة واحدة تخدم تخفيف أزمة المياه بالحد من الهدر بهذا الشكل، داعياً إلى استغلال بعض المحاصيل العطرية والطبية، حيث يوجد أكثر من 32 نوعا من هذه المحاصيل ومن الممكن أن تنجح زراعتها وتصديرها للخارج .
واتهم الوحيدي الدول العربية بعدم تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والتاريخية والقومية حيال الشعب الفلسطيني وتسهيل مرور وتصدير المنتجات الفلسطينية عبر معابرها، مؤكداً أن المستقبل للإنتاج النوعي وليس الكمي ونحن استطعنا أن نوجد لنا بصمة في بعض المحاصيل المصدرة للخارج مثل الفراولة والقرنفل رغم إغراق الأسواق الأوروبية بالمنتجات العربية الأخرى، مشدداً في الوقت ذاته على ضرورة احترام الكفاءات العلمية والاستفادة منها، حاثاً على ضرورة إيجاد بدائل للمحاصيل المكلفة اقتصادياً، والتوجه لإنتاج البذور ذات الجودة العالية خاصة وأن القطاع الزراعي يمثل 80% من الاقتصاد الوطني.
|
ندوة الزراعات الكمالية في غزة |
إسرائيل الرابح
وبدوره قال م.ماجد حمادة منسق المشاريع في مركز معا: "أن إسرائيل هي الرابح الأكبر من تصدير الفراولة والزهور، لأن التصدير لا يتم إلا عبر شركات إسرائيلية هي المستفيدة الأكثر ماديا من هذا التصدير".
وأشار إلى أن المزارع لا يضع في حساباته كمية الماء المسحوبة من الخزان الجوفي لري محصولي الفراولة والزهور، إذ أن القطاع يعاني من عجز مائي كبير، حيث أن الإحصائيات تشير إلى أن 90% من المياه لا تصلح للاستخدام.
وكشف النقاب عن أن زهرة القرنفل الواحدة تحتاج إلى نحو13 لتراً من المياه لاسيما المياه العذبة، موضحاً أن إسرائيل تعزف عن زراعة محصولي الفراولة والقرنفل نظراً لاستنزافها للمياه، لذا تسمح بتصدير هذين المحصولين دون غيرهما حفاظاً على خزانها الجوفي.
عوامل متداخلة
ومن جهته أوضح مدير عام مصادر المياه بسلطة المياه مازن البنا، أن هناك عوامل متداخلة في أزمة المياه تتمثل في الاحتلال والحصار وصغر حجم الخزان الجوفي الوحيد، غير القادر على تلبية الاحتياجات المتزايدة نظراً لتعدد الأنشطة والزيادة السكانية، حيث هناك عجز في قضية المياه منذ أربعة عقود تقريباً .
وقال أن زيادة نسبة البطالة وسط العمال ساهمت في زيادة التوجه للعمل في قطاع الزراعة كونه القطاع الوحيد المتاح، عدا عن وجود ما أسماه بالهجمة الكبيرة على ترخيص الآبار الزراعية موضحاً أن كمية المياه التي كانت تضخ في السابق وصلت إلى( 50) مليون متر مكعب، مقابل ضخ( 100) مليون متر مكعب في الوقت الحالي عازياً أسباب هذه الزيادة بالإضافة إلى ما تم ذكره لتلف شبكات الري وسرقة المياه وهدرها، وعدم وجود وعي بقيمة المياه الفعلية والسعر الاجتماعي لها .
تدني الجودة
وأشار إلى أن مشكلة أخرى في قضية المياه وهي جودتها المتدنية، والتي انعكست على اختياراتنا للمحاصيل المزروعة متسائلاً: هل هناك فائضاً في مياه الشرب كي تحول إلى الزراعة وليس العكس؟" داعياً إلى التوجه لزراعة الفراولة في محافظات الجنوب لأنها حسب وجهة نظره أنسب من مناطق شمال القطاع، حيث وجود المياه العذبة ولكنها أكثر تلوثاً من المناطق الأخرى .
ونبه البنا من حدوث ندره كبيرة في المياه العذبة في حال بقي الاستنزاف والطلب المتزايد على ترخيص الآبار، حيث وصل عدد الآبار المرخصة إلى( 3000) بئراً عدا عن المئات العشوائية وغير المعلنة في ظل غياب الرقابة على هذه الآبار، داعياً إلى وجود نظام رقابة صارم على الآبار وتركيب عدادات لهذه الآبار للتحكم في كمية المياه التي تضخ، في حين توجد رقابة بنسبة 50% على مياه الشرب فقط .
وأشار إلى أن قطاع غزة يحتاج إلى مشاريع إستراتيجية لحل مشكلة المياه، ولكن الحصار الاسرائيلى المفروض يحول دون تنفيذها، إضافة إلى أن أزمة المياه متشعبة بشكل كبير، وتحتاج إلى تكاتف الجهود الحكومية والأهلية مع المواطنين لضمان عدم هدر المياه، عدا عن ضرورة إعادة تأهيل شبكات المياه المهترئة والتي تضررت خلال الحرب والاجتياحات المتكررة .
وأوضح أن سلطته بصدد عمل حملة توعية بالتعاون مع وزارة الأوقاف، حول ترشيد استهلاك المياه والمخاطر المحدقة بمستقبل المياه في القطاع.
|