حريق الكرمل يُشعل قلوب أهالي عين حوض

عبد الباسط خلف
خاص بآفاق البيئة والتنمية
أشعلت ألسنة النيران التي التهمت مساحات شاسعة من جبل الكرمل قلوب أهالي عين حوض، الذين هجرتهم العصابات الصهيونية من قريتهم العام 1948. تروي العجوز شمسة خليل أبو الهيجاء بحسرة: "لما شافت جارتنا أم طارق الحريقة، أجت قالت لي، ووقتها تأثرت كثير، وتذكرت بلدنا."
ووفق أبو الهيجاء، فإنها لا زالت تذكر عين حوض بتفاصيلها الدقيقة، إذ إنها كانت ابنة عشرين عاماً يوم حدثت النكبة.

ذكريات لا تُنسى
تُعيد عجلة التاريخ إلى الوراء بنبرة حزن:" كانت بلدنا كلها شجر صنوبر وخروب وسنديان، وكنا نروح نلقط قريش( ثمار الصنوبر بالتسمية الشعبية) ونحطه بالنار ولما يفتح نوكل حبه الصغير، وكان زاكي."
كان لوالد الحاجة شمسة نحو مائة دونم في قريتها، ولا زالت تحتفظ بأسمائها كـ"الشيحة" و"بلو"، وتستذكر طقوس جمع الخروب وصناعة الرب. تقول: "بقينا نسوي مائة شوال خروب، ويجوا التجار من حيفا ويقبنوا(يوزّنوا) الحب."

تفيد أبو الهيجاء: "حرقوا قلوبنا وسرقوا أرضنا، ويوم ما أنحرقت عين حوض، تذكرت أيام زمان وشجرنا وبيتنا والجامع. كان أهالي القرية وفتياتها بشكل خاص يجمعون الحطب اليابس ويضعونه في حزمه يسمونها"مركاس"، ويستخدمونها للتدفئة خلال الشتاء. وبقينا نزرع قمح وشعير وبامية وفاصولية، وعمرنا ما اشترينا اشي من برة، غير الملفوف والفواكه من حيفا."
|
منازل عين حوض الفلسطينية وقد التهمتها نيران الكرمل |
تتذكر: "مرة شفنا فرقاطة اليهود ضربت على البلد من البحر، وحرقت شجرنا، وقبل ما تسقط البلد، طلعنا وقعدنا بين الشجر، وظل الزلام(الرجال) بالبلد يدافعوا عنها، ومقلوش يرفعوا شرشوحة بيضا مثل ما قال لهم اليهود من عتليت، وبعدها طلعنا على عارة وعرعرة وقعدنا أربع سنين باليامون(قرب جنين)، وجينا من يوميها على المخيم، وبعدنا بنستنا الأسبوع اللي قالوا إنا بدنا بس نغيبه عن بلدنا"
توفي زوج الحاجة شمسة قبل ست سنوات، ولم يرزقهما الله بأبناء، لكنها لا تخفي شوقها لبلدها ولأشجار الخروب، وتتمنى أن تكحل عينيها بها قبل أن يأخذ الخالق أمانته، لأن "جنة عين حوض بتختلف عن المخيم مثل السما والأرض" على حد تعبيرها.

لحظات قاسية
تابع الصيدلاني إياد أبو الهيجاء حريق الكرمل على محطة أجنبية، أشارت إلى اسم بلدته، بعد تحريفها إلى"عين هود"، وشعر بعاطفة جياشة وحنينٍ لبلدته التي هي جزء منه.
يقول: " كم هي لحظات قاسية أن تحرق ذكرياتك وبيتك وأشجارك، ورغم أنني لم أر بلدنا بعيني إلا أنني زرتها بقلبي، وأحرص على التواصل مع أقربائنا الذين ظلوا فيها بالهاتف".
أطلق أبو الهيجاء منذ عدة سنوات اسم "الكرمل" على صيدليته ليبقى شوقه وحلمه مشتعلاً في كل لحظة، كما يُعرّف أولاده الصغار بأن أصلهم وبلدتهم هي عين حوض، وإقامتهم المؤقتة في مخيم جنين.
يوالي: "لم ينجحوا في سرقة ذكرياتنا، وتحريف الاسم لا يغير شيئا، والدليل أنه حينما احترقت بلدتنا، ومسقط رأس أجدادنا شعرنا بالخسارة لأن النيران التهمت ذكرياتنا".

جيل جديد
فيما يقول الشاب حمزة جمال أبو الهيجاء أنه ظل خائفاً طوال فترة الحريق على بلده الأصلية، التي زارها قبل تسع سنوات، وشاهد المسجد والديوان وبيت جده، وتأثر أهلها حينما شاهدوا عين حوض تشتعل، وتفقد زينتها وأشجار خروبها وسنديانها، رغم أنهم لا يستطيعون الوصول إليها والتمتع بجمالها.
|