قوانين بيئية شكلية على الورق لا تطبق على الأرض
الذهب الأبيض في جماعين مصدر رزق ضريبته صحة الإنسان والبيئة
عجز الجهات الرسمية عن الحد من الويلات الصحية والبيئية التي تسببها المحاجر والكسارات

رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية


تعتبر بلدة جماعين إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس، اشهر القرى والبلدات الفلسطينية بإنتاج الحجر حيث يوجد فيها ما يقارب 70 مقلع حجر و35 منشاراً و7 كسارات، ويعد حجرها من أجود الأنواع، وبالرغم من هذه الميزة الملقبة بالذهب الأبيض والتي تنعش هذه الصناعة، إلا أن غالبية السكان يرونها مأساة، فهم يعانون من أضرار مقالع الحجر والكسارات والمناشير التي تقع تحديدا داخل المخطط الهيكلي للبلدة وتنتشر بين المنازل، فتؤدي إلى تشويه المنظر العام للبلدة، وتجريف الأراضي الزراعية وتهديد البيوت المحيطة بها بالانهيار وانتشار الأمراض بفعل تلوث الأجواء والضوضاء.
ومن أحد بيوت جماعين، تضطّر الحاجة فاطمة الحاج علي، كل فجر إلى النهوض من نومها مع استيقاظ جيرانها المزعجين وهم عبارة عن أربعة محاجر تحيط منزلها، لتكون مثالاً لعشرات العائلات في بلدة جماعين جنوب شرق نابلس الذين يعانون صباح مساء من وباء الكسارات والمحاجر، والتي أصبحت جزءاً من واقع أليم، يتمنون زواله مع إشراقة شمس كل يوم جديد.
وتحمّل فاطمة المحاجر المحيطة بمنزلها مسؤولية تشقق بيتها الثاني القديم المجاور لهذا المنزل، ليتحول إلى جزء من محجر بعد اضطرار الحاجة بيع قطعة الأرض لبناء بيت آخر بعيدا عن تلك المحاجر .
وتشتكي حفيدة الحاجة فاطمة من الغبار الناتج عن الكسارات، حيث تقول: "كل يوم ننظف البيت مرتين أو ثلاث، حتى لا يتراكم الغبار على الجدران والأرضية .  

 

المحاجر تبني البيوت وتهدم الصحة
وحول صحة السكان، فقد لوحظ انتشار عدد من الأمراض بين سكان البلدة البالغ عددهم 7500نسمة، حيث يشير أطباء البلدة إلى ارتباط العديد منها بوجود مقالع  الحجر والمناشير والكسارات داخل البلدة، حيث أن الغبار والأصوات المزعجة التي تنتج عن الآلات تزيد من نسبة الإصابة بأمراض الربو والضغط النفسي وقلة السمع خاصة عند السكان القاطنين بجانب تلك الكسارات والمحاجر، وحول هذا الأمر لفت الطبيب المخبري من بلدة جماعين "جبر جميل" إلى أن هناك أنواعاً من الأمراض أخذت تنتشر بين السكان وخاصة أولئك الذين يجاورون مصانع إنتاج الحجر فتؤثر عليهم بشكل مباشر، وقد استدل على ذلك من خلال عمله كطبيب مخبري يزوره عدد من الناس يشكون الضغط النفسي أو الربو، إضافة إلى أن هناك زيادة في الطلب على الأدوية التي تعالج الربو.

إحصاءات طبية مخيفة
أما الأمراض التي يعاني منها السكان هناك، فيؤكد الطبيب جميل أن الغبار مسبب خطير للأمراض خاصة الجسيمات متوسطة الحجم، والتي يصعب على الرئة تحليلها، ما يسبب أمراضاً في الرأس والعين والرئة .
كما يجزم أن الضجيج الناتج عن الآلات الحديدية والكسارات تسبب الإصابة بمرض السكري .
كما يؤكد الصيدلاني في جماعين عبد الحميد كيلاني أن نسبة أمراض الربو ازدادت في البلدة خلال السبع سنوات الماضية بنسبة 60%، كما أن 45 % من سكان جماعين يعانون في الفترة الحالية من أمراض الربو والقصبات الهوائية، مستنداً في تلك النسب، إلى الفواتير المالية للأدوية، والتي قد أطلع البلدية عليها.
ويضيف أن هذه النتيجة دفعت المئات من سكان البلدة، إلى شراء أدوية ذات تركيز أعلى من سابقتها حيث لم تعد الأدوية العادية تجدي في شفائهم من أمراض الربو، ما أدى إلى إصابة العديد منهم بمضاعفات في الفم والمعدة.

 

قطاع اقتصادي هام ولكن!!
تعدّ الخامات الصخرية والرملية المتوفرة في الأراضي الفلسطينية، مصدرا ًطبيعيا ذا أهمية اقتصادية وطنية، لما لها من دور بارز عبر المساهمة في النهوض بالاقتصاد الوطني، كونها من المصادر الطبيعية غير المتجددة.
 ولما كان الاستغلال غير المراقب والعشوائي لهذه الخامة يؤدي كنتيجة حتمية إلى نفاذ هذا المصدر الموجود على رقعة محددة من الأرض،  فإنه أيضا يؤدي إلى أضرار بيئية واقتصادية بعيدة المدى تؤثر على التنوع الحيوي في المنطقة المحيطة وعلى صحة الإنسان القاطن بالقرب من تلك المناطق. واقعٌ تمر به "جماعين"  ليكون مثالاً حياً على العديد من المناطق الأخرى حيث تكثر فيها المحاجر التي تعمل بطرق عشوائية في ظل تقصير واضح من قبل الجهات الرسمية في اتخاذ خطوات فعالة لتنظيم عمل تلك المحاجر.

واقع اليم سببه ضعف القانون
وحول الشروط البيئية في ترخيص تلك المحاجر والمقالع والكسارات استنادا إلى المادة ( 5 ) من قانون البيئة الفلسطيني رقم 7 لسنة 1999 ، والمفترض تطبيقه  بالتعاون مع لجان التنظيم المختصة وكل من وزارة الصناعة والحكم المحلي والجهات الأخرى ذات العلاقة، حيث يشترط التالي:
أن يقام المحجر الجديد في منطقة محاجر يتم استغلالها، أو تم تنظيمها لهذه الغاية،  وأن يبعد المحجر الجديد مسافة لا تقل عن :

  1. 200 متر عن أي شارع رئيسي أو إقليمي أو منبع مياه
  2. 500  متر عن أي بئر مياه جوفية
  3. 20  متراً عن أي طريق زراعي، إفرازي أو تنظيمي
  4. 50  متراً عن أي شارع محلي
  5. 300  متر عن أي محمية طبيعية، منطقة سكنية، ومنطقة ترفيهية، ومعلم طبيعي أو غابات
  6. 50  متراً عن المواقع الأثرية أو كما تقرر دائرة الآثار وأن يتم الكشف على الموقع.

قوانين وشروط بيئية رائعة لو طبقت على أرض الواقع، ولكن في بلدة جماعين فالحقيقة مختلفة، فالمحاجر    والمقالع تقع مباشرة على الطريق الرئيسي، وكذلك الكسارات تجد بعضها يجاور البيوت السكنية ولا يفصلها عن تلك البيوت سوى بيت من الطوب الخفيف. حول هذا التناقض بين القانون والواقع تم سؤال امجد قاسم مدير دائرة سلطة جودة البيئة في محافظة نابلس، حيث أفاد بأن عدداً كبيراً من تلك المحاجر و الكسارات تقع ضمن المناطق المصنفة C من اتفاق أوسلو ولا سيطرة  فلسطينية عليها بأي  شكل من الأشكال، في حين أن المحاجر والكسارات والتي تقع ضمن المخطط الهيكلي للمحافظة، فهي في معظمها قديمة وغير مرخصة ومن الصعب تغيير معالمها أو حتى إزالتها.
وفي معرض سؤال القاسم حول دور سلطة البيئة للحد من الدمار والتخريب الذي  طال كافة المنطقة سواء من الناحية البيئية أو حتى البنية التحتية، كانت الإجابة بأن انتشار المحاجر والكسارات في جماعين أمر لا يمكن السيطرة عليه ببساطة.
أمّا رئيس بلدية جماعين عزت زيتاوي فأكد إقرار البلدية بعدم قانونية تلك المقالع والمناشير والكسارات الموجودة داخل المخطط الهيكلي، لأنها تسبب الكثير من المشاكل للمواطنين، ولهذا فان البلدية عملت وما زالت تعمل على نقل مصانع الحجر إلى منطقة صناعية بعيدة عن السكان، لكن للأسف وزارة الصحة لم تتدخل، والبلدية لا تملك (قوة تنفيذية) تمنع إقامتها.

السلامة المهنية غائبة في المحاجر
وحول موضوع السلامة المهنية في المحاجر والكسارات،  فإن معظمها لا تطبق شروط  السلامة المهنية والصحية بالنسبة للعمال، فبالرغم  من عدم توفر إحصائيات دقيقة حول عدد إصابات العمال في تلك المنشآت الصناعية، إلا انه تم تسجيل عدد من حالات إصابات العمل خلال الأعوام الماضية،  لكن الأخطر من هذا كله هو غياب موضوع الـتأمينات الصحية للعاملين في المحاجر والكسارات.
     أحمد حسن  من بلدة جماعين  كان ضحيةً لإصابة عمل، سببت له شللاً دائماً نتيجة وقوع "بوكت الجرافة" على ظهره، ولم يستطع تلقي العلاج فور الحادث، لعدم توفر تأمين صحي.  ونتيجة لإعاقته، يعمل أحمد حالياً في بقاله لبيع المواد التموينية، وحول تلك الحادثة اكتفى بالقول:" لا حول ولا قوة إلا بالله".

التعليقات

إذا كانت مثل هذه الكوارث البيئية لا تثير أي تحرك لمواجهتا من قبل وزارة
الصحة أو سلطة البيئة أو غيرها من الجهات الفلسطينية المسؤولة...فأي كارثة
أخرى أفظع ن هذه ستحركها؟  أم أن مثل هذه الجهات عاجزة ولا حول لها ولا قوة
أمام البلطجة البيئية التي يمارسها العابثون؟
وفي هذه الحال الأولى أن تتنحى تلك الجهات جانبا ...
عيس السرفندي

 

لماذا لا يتحرك الأهالي ويشكلون قوة ضاغطة ضد مجرمي البيئة في بلدهم؟
 
مازن العرموطي

 

هذه الجرائم البيئية تنتشر ليس فقط في جماعين بل في مناطق فلسطينية عديدة مثل
الخليل وبيت فجار وغيرها...ونحن لا نزل ننتظر تحرك السلطة الوطنية الفلسطينية
لردعالعابثين بصحة أطفالنا وبيئتنا .
 
 
كاظم البغدادي

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية