المطلوب: تغييرات بنيوية في الاقتصاد وإنشاء صناعات خضراء وتغيير العادات الاستهلاكية
تقرير دولي: بعد عشرين عاما ستعجز الكرة الأرضية عن تزويد البشرية باحتياجاتها
دولة الإمارات العربية في رأس سلم الدول المستنزفة للموارد

خاص بآفاق البيئة والتنمية
تسير البشرية بخطوات حثيثة وسريعة نحو الاستنزاف النهائي للموارد المتجددة على الكرة الأرضية. هذا هو التحذير شديد اللهجة الذي نشر مؤخرا في التقرير الدولي لمجموعة من المنظمات البيئية. "مؤشر الحياة على الكرة الأرضية" يشير إلى أن استغلال الإنسان للموارد الطبيعية وصل حاليا إلى 50% فوق قدرة هذه الموارد على التجدد. وبكلمات أخرى: يستهلك الإنسان 1.5 مرة مما تستطيع الكرة الأرضية تزويده.
ومرة واحدة كل سنتين، ينشر الصندوق الدولي لصون الطبيعة (WWF ) تقرير مؤشر الحياة. وتعد هذه المنظمة من أهم المنظمات البيئية في العالم؛ حيث تحظى باعتراف شبه رسمي من قبل العديد من المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتطور الاقتصادي (OECD ). ولغرض إعداد التقرير، تعاونت المنظمة مع شركة الحيوانات اللندنية، والشبكة العالمية للبصمة البيئية التي طورت طريقة لتقدير مدى استغلال الموارد الطبيعية.
وقدر التقرير الأخير البصمة البيئية للإنسان والمتمثلة بالاستهلاك البشري للموارد الطبيعية، مثل الماء والأرض والمساحات للبنى التحتية، والمساحات النباتية الضرورية لامتصاص ثاني أكسيد الكربون.
وبينت الحسابات بأن البصمة البيئية لمجموع الجنس البشري تضاعفت منذ عام 1966. وبطبيعة الحال، تعد الدول ذات المستوى المعيشي الأعلى الأكثر استنزافا للموارد. وبحسب البصمة البيئية للفرد، تقع دولة الإمارات العربية في رأس سلم الدول (المستنزفة للموارد)، ومن ثم قطر، فالدنمارك، فبلجيكا، فالولايات المتحدة. ويشير التقرير إلى أنه لو عاش جميع سكان الكرة الأرضية كما يعيش سكان الإمارات، فسيحتاجون إلى ما لا يقل عن ست كرات أرضية؛ كي تزودهم بالموارد الضرورية
ومن بين المعطيات المقلقة الأخرى، كما يشير التقرير، أن مؤشر الأصناف النباتية والحيوانية في العالم هبط بنسبة 30% خلال العقود الأربعة الأخيرة. ومن الأمثلة على ذلك، النمر الذي يعد أحد أكبر المفترسات في العالم. ويبين التقرير بأنه في السنة الأخيرة كان عدد النمور في حدائق الحيوانات أكثر مما هو في الطبيعة.
وفي حين هبط مؤشر الحياة في المناطق الاستوائية بنسبة 50% خلال العقود الأربعة الأخيرة، فقد ارتفع بذات الفترة بنسبة 30% في دول أوروبا وشمال أميركا الغنية. وسبب ذلك أن هذه الدول تستهلك موارد الدول الأخرى؛ في الوقت الذي تحرص فيه جيدا على حماية الغابات وسائر الموارد الطبيعية في بلدانها.
ولتوضيح طريقة استنزاف الدول الغنية للموارد، استخدم التقرير مثال القهوة (السوداء): عمل كأس قهوة واحد يتطلب استعمال 140 لترا من الماء، طيلة مراحل الإنتاج. كما أن كل كميات المنتجات التي تُسْتَهلك في بريطانيا تؤدي إلى أن يستهلك المواطن البريطاني 4645 لترا من الموارد المائية العالمية يوميا. وحاليا، تتعاظم الأزمة المائية في العديد من دول العالم. وبحسب التقرير، يوجد في العالم 1.8 مليار إنسان متصل
بالانترنت، وفي ذات الوقت، يوجد مليار إنسان لا يحصلون على كمية كافية من المياه المناسبة للشرب. وهناك حاليا 45 دولة تعاني من أزمة نقص حادة أو متوسطة في المياه؛ وتعد فلسطين واحدة من بين تلك الدول.
ويحذر التقرير من أن الجنس البشري، سيحتاج بعد عقدين إلى كرتين أرضيتين، كي يتمكن من الحصول ثانية على الغذاء والماء ووسائل المعيشة الأخرى. وبما أنه، لن يتم، آنذاك، إيجاد كرة أرضية إضافية بديلة، فإن دمارا كبيرا سيصيب النباتات والحيوانات.
وبالرغم من ذلك، يقول معدو التقرير إنه بالإمكان تغيير الاتجاهات الاستهلاكية القائمة. إذ أن معظم البشرية تستطيع، خلال العقود القادمة، الوصول إلى وضع تستهلك فيه طاقاتها من موارد غير ملوثة، كالنفط، بل الاعتماد على الطاقة الطبيعية كالشمس والريح.
كما يجب أن يغير الناس عاداتهم في الاستهلاك الغذائي، من خلال التحول، بشكل أساسي، إلى الغذاء القائم على مصادر نباتية. ويوضح التقرير هذه المسألة من خلال المقارنة بين الوجبة الغذائية المميزة للمواطن الماليزي، ووجبة المواطن الإيطالي الذي يستهلك كمية لحم أكبر بنصف مرة من الماليزي. وإذا ما التزم جميع سكان الأرض بعادات الاستهلاك الغذائي لماليزيا، فإنهم سيحتاجون إلى موارد أقل بعشرات بالمئة من الموارد التي سيحتاجونها لدى تبنيهم للنموذج الغذائي الإيطالي.
وفي المقدمة التي كتبها التقرير الجديد، أشار "أنحل غوريا" مدير عام منظمة التعاون والتطور الاقتصادي، إلى أنه "لا يجب التفتيش عن ذرائع للنشاطات التي يجب القيام بها للحفاظ على التنوع البيولوجي والأنظمة الإيكولوجية. بل يجب علينا تشخيص مصادر النمو الاقتصادي الأقل تأثيراً سلبياً على البيئة. وهذا يتطلب إجراء تغييرات بنيوية في الاقتصاد، من خلال إنشاء صناعات خضراء وتغيير العادات الاستهلاكية"
|