l رئيسي3
 
November 2010 No (30)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تشرين ثاني 2010 العدد (30)
 

هل يتحول فحم يعبد إلى صديق للبيئة؟!
تجربة  "الكربنة الهوائية" لـ د. الباشا  تخلط البيئة بالسياسة
ضابط إسرائيلي يتجول في المفاحم لإقناع أصحابها بالتحول إلى إنتاج الفحم بطريقة الباشا

عبد الباسط خلف وجورج كرزم
خاص بآفاق البيئة والتنمية

  يقف وليد الباشا الذي يحمل شهادة الدكتوراه في علم الفيروسات الجزيئي، ويعمل في  مختبره الخاص للأبحاث العلمية المتصلة بالعلوم الحياتية والجزيئية والبيئية بمدينة جنين، ويحاضر في جامعة النجاح الوطنية، وراء فكرة جديدة لإنتاج فحم "صديق للبيئة"، كما يسميه، عن طريق الكربنة اللاهوائية.
يقول: "قبل سنة ونصف، طرحت مؤسسة الرؤيا العالمية، فكرة إيجاد بديل لصناعة الفحم في بلدة يعبد بمحافظة جنين، لما له من أخطار صحية وبيئية، فتنافست عدة مؤسسات لاقتراح حل لهذه المشكلة. تقدمت بدوري باقتراح للتوصل إلى بديل، يراعي التخفيف من الآثار البيئية والصحية، ويحافظ على هذه الحرفة لأصحابها؛ كونها تمثل مصدراً للدخل لهم منذ فترة طويلة".
أجرى الباشا اتصالات وأبحاث إلى أن توصل لباحث ألماني اسمه كريس آدم، يعيش في أفريقيا، فنقل فكرته في بناء حجري نباتي مضاف إليه مادة الصلصال التي كانت تستخدم في إنتاج الطابون التقليدي، بجوار التبن.
يفيد: "عملنا تجربة في بلدة برقين، لأنني كنت أخشى من فشل الفكرة إذا ما أجريناها في يعبد أول مرة، وقبلها أجرينا فحصًا طبيًا للعاملين في المفاحم، واكتشفنا أن العمال في المفاحم غير مصابين بأمراض، وقد يكون لتعودهم وإدمانهم على الدخان، ولأنماطهم الغذائية علاقة بالأمر".

فحص طبي
ويضيف الباشا بأن إجراء أي فحص طبي للعمال، تتحكم في نتيجته عدة عوامل، فعمال المفاحم يُدخنون نحو ثلاث علب سجائر بدون فلاتر، وطبيعة غذائهم مختلفة، ويشربون الشاي كثيرًا، فمن الطبيعي أن يكون لديهم فقر دم، منوهاً إلى أن ما قيل عن وجود نسب مرتفعة للإصابة بأمراض السرطان في يعبد، يحتاج إلى دراسة علمية لإثبات صحته.

يقول الباشا: "المشكلة في يعبد ومفاحمها باتت اجتماعية أكثر منها صحية، حيث أجرينا بعد نجاح التجربة في برقين واحدة أخرى في قرية الطرم المجاورة ليعبد، وتزامن هذا مع اعتراضات الاحتلال على المشروع، فتدخل المحافظ والارتباط المدني في الموضوع، وأنا أتعامل مع الفكرة من جوانبها كتقني وليس كسياسي، وقد جاءت "الإدارة المدنية" الاحتلالية عدة مرات، وطلبوا أن يقوموا بإجراء قياسات للغازات المشتعلة، وأصروا على ذلك قبل أن نُركب "فلاتر"، وطالبوا بعدها أن يكونوا شركاء في المشروع، وسمعت أن الصحافة الإسرائيلية كتبت عن هذه المسألة".
وبحسب الباشا، فإن الفكرة الجديدة التي طبقها، تختصر من  توقيت عملية حرق الفحم التي كانت تتواصل أربعة عشر يوماً، وما يتبعها من تبريد أسبوعين إضافيين، وتقتصر على حرق الغازات المشتعلة وتصاعد غير المشتعلة لمدة أربع وعشرين ساعة.  

مراحل
  يُوضّح الباشا أنه في المرحلة الأولى يتم تجفيف الفحم بإزالة الماء منه، وبمجرد وصوله إلى درجة الجفاف، يصل لدرجة حرارة اشتعال دون وجود أكسجين، ويبدأ إيصال المواد الكربونية المشتعلة، ويدخل في عملية تفاعل حتى مرحلة التفحّم بين درجة حرارة مئوية 350-400 ، وتبدأ عندها خروج الغازات المشتعلة، التي تشبه غاز الطهي، وبدلاً من أن تتوجه هذه الغازات إلى الجو، تستخدم الغازات مرة ثانية وهي مشتعلة، في عملية دفع ذاتي للاحتراق.
يتابع بأن كل طن من الحطب ينتج ما يعادل 15 أسطوانة غاز تتولى تسخين الحطب، أما الدخان الذي يتصاعد، فتتم محاولة التخلص منه، وإذا ما فُلتر وتم التحكم به من مخرج واحد، يمكن الحصول على الخل والزيت والكحول الموجودة في الحطب.
يوضح: "لا تقوم الفكرة الجديدة على عملية الحرق، وإنما عن طريق الكربنة الهوائية، عبر التخلص من الغازات المشتعلة.

مقاربة بين الفحم والبيئة الصحية
يقول الباشا رداً على إمكانية تحول الفحم لصديق للبيئة مع أنه قائم على قطع الأشجار وحرقها، أن ما يحوله أهالي يعبد إلى فحم هو أشجار ليمون، تأتي من الداخل (فلسطين المحتلة عام 1948)، وهذه الأشجار ليست طبيعية قادمة من عملية قص الأشجار الطبيعية كالغابات مثلا.
يضيف: "لا نستطيع الاستغناء عن الفحم للمشاوي والنرجيلة وغيرها، وأفكر في تطوير الفكرة لاستخراج الفحم من بقايا الخضروات، ففي أفريقيا مثلاً يصنعون الفحم من قشور جوز الهند، وأي شيء يحتوي على الكربون يمكن تحويله إلى فحم.
ويتابع الباشا، أنه بالطريقة الجديدة لإنتاج الفحم، يتم التخلص من الغازات، ويمكن استخدام الزيوت المتطايرة، كما تقلّ الترسبات على التربة، ويزيد إنتاج الفحم، حيث أن في طريقة الحرق التقليدية ينتج الطن الواحد 300 كغم من الفحم، أما بطريقة الكربنة اللاهوائية فينتج 400 كغم، وينهي الباشا بقوله: "لكل فكرة بالتأكيد من يدعمها ومن يُعارضها".


آراء
يقول محمد الشيخ إبراهيم، وهو عامل سابق في مفحمة قرب يعبد: "سمعت عن هذا المشروع، ولكنني لم أعد أؤمن بالمشاحر(المفاحم) كلها، فهي تخسر صاحبها أغلى ما يملك، وتُدمّر صحته، وبالتأكيد اليهود يقلقون على صحتهم أكثر منا، لذلك سيدعمون المشروع "مش لسواد عيونا" ومصيبتنا في منطقة يعبد كبيرة".
يستعير إبراهيم بيتاً من الشعر القديم مع تعديلات في النص ليقول: "من لم يمت بالمشاحر مات بالسجائر".
أما إبراهيم عبد الله، الشاب الذي تعلم مهنة حرق الخشب منذ صغره، فيرى بأن التطوير الجديد للمفاحم، سيقلل من نسبة التلوث، وسيحافظ بعض الشيء على الصحة والبيئة. يتابع: "البيئة في بلادنا ليست مهمة، ولسنا مثل من يعيش في سويسرا".
تشير ولاء بري، وهي طالبة جامعية تعيش في يعبد: "لم أسمع عن التجربة، ولا أعتقد أن أهالي بلدتنا يمكن أن يستغنوا عن إنتاج الفحم والتبغ، إلا إذا حصلت معجزة". وتتابع بأن البيئة في يعبد غير صحية، ولا بد من السعي إلى حل المشكلة.
وقد عرض د. الباشا "الفحم" الذي أنتجه في معرض للصناعات الوطنية بجنين، بداية تشرين أول الفارق، وقد لاقى جناحه إقبالا من الزائرين. تقول سمر عوض، المعلمة في إحدى المدارس الحكومية: "سأشرح لطالباتي عن الفحم، لكن ذلك لا يعني أن هذه المادة السوداء ممكن أن تكون صديقة للبيئة، لأنها تقوم على قطع الأشجار، وهذه المعضلة مسألة عالمية، كما أن الاحتلال الذي يسرق أرضنا ويتواجد قرب يعبد حريص على صحة جنوده وليس  قلقاً بجودة ما نستنشقه من هواء".

انبعاثات مسرطنة
وخلافا لما قاله د. الباشا بأن العمال في المفاحم غير مصابين بأمراض؛ فإن جميع الدلائل تؤكد على أن العمال ليسوا فقط من يتعرض للأدخنة السامة الكثيفة والمتواصلة المنبعثة من المفاحم، بل أيضا جميع سكان قرى منطقة المفاحم، وبخاصة أهالي يعبد الذين يتعرضون بشكل دائم للغيوم الدخانية. 
وفي الواقع، بالإضافة إلى التلوث البيئي الكبير الناجم عن المفاحم؛ فإن المشكلة الأساسية هي صحية ناتجة عن الجسيمات المنبعثة في الهواء.  وتتراوح الأعراض المرضية المنتشرة بين عمال المفاحم والأهالي في ذات المنطقة بين البسيطة والخطيرة؛ ابتداء من الالتهابات والحكة في العيون، والمشاكل التنفسية، والأعراض العصبية مثل أوجاع الرأس والغثيان؛ وصولا إلى أعراض خطيرة جدا مثل تلف الجهاز التنفسي وانسداد في الأوعية الدموية، الأمر الذي قد يعرض حياة المصابين إلى الخطر الفوري والمباشر.  ومن المعروف أن صناعة الفحم تولد انبعاثات مسرطنة إلى الهواء مثل الديوكسينات ومركبات "بولي أروماتية".  ومن الناحية الطبية، فإن التعرض المتواصل لمثل هذه الملوثات قد يتسبب في أمراض سرطانية.
ومن اللافت أن معظم الفحم المنتج في منطقة يعبد يسوق في السوق الإسرائيلي؛ حيث يستخدمه الإسرائيليون في متنزهاتهم ورحلاتهم (المشاوي، والنرجيلة وغيرها).  لذا؛ من الطبيعي أن يصمت الاحتلال على هذه المهنة ويسمح بها في الضفة الغربية؛ في الوقت الذي يمنعها في منطقة عام 1948 لأسباب بيئية وصحية.

 

"الإدارة المدنية" تتبنى جهاز الباشا
وبحسب الصحافة الإسرائيلية ("هآرتس" 2010/10/1)؛ قررت ما يسمى "الإدارة المدنية" تبني جهاز الباشا، بل وخصصت للجهاز موازنة مالية معينة تقدر بعشرات آلاف الدولارات؛ فضلا عن التمويل الإضافي من الدول "المانحة".  ولتشجيع استخدام الجهاز؛ أخذت "الإدارة المدنية" تشدد قبضتها على العاملين في صناعة الفحم؛ فأصدرت عشرات الأوامر لهدم مفاحم جديدة في المنطقة، بهدف إرغام أصحابها على التحول إلى إنتاج الفحم بطريقة الباشا. 
وكما تقول "هآرتس"؛ "أقيم لهذا الغرض في يعبد نموذجٌ للمشاهدة؛ حيث يزوره مواطنو المنطقة للتعرف على مبدأ عمله.  ولفحص كيفية عمل جهاز الباشا، جاء إلى يعبد، في أواخر أيلول الماضي، إسرائيليون خبراء في تلوث الهواء، يعملون لصالح وزارة البيئة الإسرائيلية، برئاسة د. "لفني كوردوفا".  وكانوا يرتدون الخوذات على رؤوسهم والمعاطف الواقية من الرصاص"!    
وتتابع "هآرتس":  "تنبع المشكلة الأساسية في إقناع القرويين بالتحول إلى الطريقة الجديدة، وبالتالي، تغيير طريقة إنتاجهم التقليدية للفحم والتي اعتادوا عليها منذ عقود طويلة،...وحين وصول الخبراء الإسرائيليين إلى يعبد، حدّق الفلاحون بهم وسألوهم عن الجهاز...  وأوضح المواطنون بأن "الاختراع" الجديد غير مجدٍ؛ لأنه يقلل وزن الفحم الناتج بنحو 30%؛ مما يعني دخلا ماليا أقل".  وهذا الادعاء، حسب جريدة "هآرتس"، يتناقض مع ما قاله الباشا بأن عمل المفاحم، حسب طريقته، يزيد من إنتاج الفحم. 
ومع ذلك، نظم الضابط الإسرائيلي "مصالحة" جولة في المفاحم، وسط الروائح الكريهة؛ متحدثا إلى أصحاب تلك المفاحم لإقناعهم بالتحول إلى استخدام "ابتكار" الباشا، دون جدوى.  

التعليقات

موضوع خطير، شكرا لمعا التي تكشف دائما التطبيع البيئي .
ايناس اسماعيل
بيت لحم

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
  مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية