وادي غزة محطة جديدة للبحث عن الحصمة ولا عزاء في تدمير البيئة!!
مختصون: الوادي مهدد بتفكك تربته ومياه الخزان يتربص بها التلوث
سلطة البيئة تحذر ووزارة الاقتصاد تبرر، والمطلوب دراسات علمية عاجلة
سمر شاهين / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تعد الحصمة في مجرى الوادي مصفاة طبيعية لتنقية المياه قبل وصولها إلى الخزان الجوفي، إلا أن استخراجها واستبدالها بتربة رملية أو طينية يلغي هذه المهمة، كما يؤدى ذلك إلى خلخلة وتفكيك التربة، الأمر الذي يسبب انجرافات خطيرة في التربة في حال حدوث الفيضانات، وهذا ما يحدث في غزة وإن اختلفت الطريقة والأدوات وحتى المكان، حيث يُجمع الحصى، لاستخدامه في إعادة الاعمار، ما يؤثر سلباً على البيئة الفلسطينية التي تعاني من مشاكل متعددة لا نهاية لها.
في القطاع، تشهد منطقة مجرى وادي غزة حركة نشطة لعشرات الجرافات والآليات، التي تقوم بأعمال الحفر والتنقيب لاستخراج الحصمة من الأرض ليعاد استخدامها، وذلك تحت ضغط الحاجة التي دفعت الغزيين إلى التفكير السريع من أجل المضي قدماً في حياتهم وإعادة اعمار ما هدمه الاحتلال الإسرائيلي خلال حربه الأخيرة على القطاع.
استطلاع آفاق
وأجمع عدد من المختصين لمجلة "آفاق البيئة والتنمية" بعد أن وُجّه لهم سؤال حول مخاطر عملية جمع الحصمة من بطن الوادي، أن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى خلخلةٍ وتفكيكٍ في التربة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى حدوث انجرافات واسعة في التربة، كما أن إزالة الحصمة تؤثر على جودة المياه الجوفية، لاسيما وأنها تعد مصفاة طبيعية.
الحصمة كنز نبحث عنه
"لم نفكر في البيئة أصلاً، لأن حياتنا هنا سوداوية وقاتمة كحال البيئة التي تحيط بنا بفعل الاحتلال الإسرائيلي وممارساته". هكذا تحدث الأربعيني حسين مسعود وهو يقف بجانب شاحنة، لتحميل الحصمة التي يتم استخراجها من بطن الوادي.
ويضيف وهو يتكئ على الشاحنة قائلا :" حياتنا مأساة كبرى، فلم يعد بمقدور أي إنسان أن يعمّر ولو قطعة ارض واحدة كبيرة أو صغيرة، فمواد الاعمار لاسيما الحصمة منها، باتت مثل الحلم الذي يصعب تحقيقه".
ونتيجة لمنع الاحتلال الإسرائيلي إدخال مواد البناء إلى قطاع غزة لإعادة اعمار ما دمره خلال حربه الأخيرة، فقد عمل المواطنون على جمع الحصمة من ركام المنازل والمؤسسات التي دمرت، بالرغم من التحذيرات التي أطلقها البيئيون من أن هذا الركام يحتوى على إشعاعات خطرة، من شأنها، أن تؤدى إلى الإصابة بالسرطان على المدى البعيد .
وكانت دراسات وأبحاث أجريت على عينة من هذا الركام ومن مناطق مختلفة من غزة، بينت نتائجها أن وجود هذه العناصر السامة زاد بعد الحرب بمعدل 20-42 ضعفاً عما قبل الحرب، كما أُثبت وجود عناصر مثل: عنصر التنجستين السام للأجنة والمسبب لأمراض الجهاز العصبي، عنصر الكادميوم المسبب للسرطان، المولبديوم القاتل للحيوانات المنوية، الكوبلت الذي يؤثر على الحمض النووي والجينات مسبباً تشوهات وطفرات جينية، بالإضافة إلى النيكل والمنجنيز والنحاس والزنك وكلها تسبب السرطان.
عمل متواصل
ويقول أحد العاملين في جمع الحصمة بالوادي، أن العمل يومياً يبدأ مع اللحظات الأولى لشروق الشمس، ويستمر حتى لحظة المغيب، لافتا إلى أن الجرافات المنتشرة تقوم بعملية حفر لمسافات عميقة داخل الأرض لاستخراج كميات كبيرة من الحصمة المتواجدة داخلها، والتي تعد من أجود الأنواع وتقسم إلى ثلاثة أقسام: سمسمية، فولية وزلطية. مشيراً إلى أن العملية تتم بإشراف وزارة الاقتصاد الوطني.
ويتابع العامل حديثه قائلا إن كميات الحصمة التي يتم استخراجها يومياً من باطن الأرض، يتم نقلها في آليات تمهيداً لاستخدامها في مجالات متعددة.
وعلى مقربة من الشاحنة كان يقف المواطن لؤي خميس "28" عاما، حيث كان يحاول الاستفسار عن آلية شراء هذه الحصمة من أجل بناء شقة له لكي يتزوج، لاسيما وأن فترة الخطوبة قد امتدت لسنتين لعدم تمكنه من بناء الشقة -على حد قوله-.
ويشير خميس إلى انه مهما بلغت مضار ذلك العمل، إلا انه ساهم وبصورة فاعلة في إيجاد البدائل وتحدى الاحتلال في حصاره لغزة .
سلطة البيئة تحذر!!
بدورها حذرت سلطة جودة البيئة في غزة، من التأثير السلبي على الخزان المائي الجوفي للقطاع، حيث يؤكد مدير عام حماية البيئة في سلطة جودة البيئة المهندس عوني نعيم، أن قيام بعض الجهات باستخراج الحصمة من وادي غزة يلحق أضراراً بيئية مباشرة على الوادي والمنشآت الموجودة فيه، مبيناً أنه لم يتم التنسيق مع سلطة جودة البيئة حول هذا الأمر.
ويشير م. نعيم إلى خطورة الأعمال التي تنفذها بعض الجهات في الوادي على البيئة وفق خبراء مختصين في هذا الشأن . منوهاً إلى ان الحصمة الموجودة في مجرى الوادي تعمل كمصفاة طبيعية لتنقية المياه قبل وصولها إلى الخزان الجوفي، مشدداً على أن استخراجها واستبدالها بتربة رملية أو طينية من شأنه إلغاء دورها الطبيعي، ناهيك على أن ذلك يعمل على خلخلة وتفكيك التربة، الأمر الذي يؤدي لحدوث انجرافات خطيرة فيها عند حدوث الفيضانات.
ويشير م. نعيم إلى انه وخلال ورشة عمل نظمت خصيصاً لهذا الأمر، اجمع الحاضرون على ضرورة مخاطبة أصحاب الاختصاص لوقف أي أعمال تتعلق بالتنقيب واستخراج الحصمة من وادي غزة، لأضرارها السلبية على البيئة.
وزارة الاقتصاد تبرر
ورغم تحذيرات سلطة البيئة، إلاّ أن وزارة الاقتصاد الوطني تؤكد على أن عملية استخراج الحصمة تتم بشكل علمي وفني سليم، حيث جرت عملية الحفر بعد اختبارات من قبل جهات مختصة على التربة، وأن عملية الحفر لا تزيد عن عمق الـ 6 أمتار، ولا تجري بشكل كبير أفقياً، حتى تؤثر على المنازل والمنشآت القريبة للوادي.
ويقول مدير دائرة المحاجر والمقالع في وزارة الاقتصاد الوطني المهندس حسن السرحي: "إن عملية استخراج الحصمة تتم بشكل علمي وفني سليم، ولم تتقدم أي جهة باعتراضات مكتوبة تحذر من أضرار سلبية على البيئة، مشدداً على أن الوزارة ستأخذ بكل التوصيات والاعتراضات الفنية، في حال ثبت أن هذا العمل يؤثر سلباً على البيئة".
ويضيف أن وزارة الاقتصاد سعت منذ بداية الحصار، لإيجاد وسائل بديلة لدفع عجلة البناء في قطاع غزة خاصة في ظل شح الحصمة بعد نفاذ الكميات التي كانت متوفرة، مبيناً أن وزارته أعطت الضوء الأخضر لبعض الشركات والمقاولين لاستخراج الحصمة من وادي غزة، للمساهمة في توفير مواد البناء اللازمة، شريطة ألا يؤثر ذلك على البيئة أو المنشآت الموجودة.
ويوضح السرحي أن قرار الوزارة يتضمن السماح باستخراج الحصمة من المناطق الشرقية للوادي، والتي لا تقل عن مسافة 200 متراً شرق جسر صلاح الدين، مشيراً إلى أن الوزارة تعتزم السماح للمواطنين التنقيب يدوياً في المناطق المحاذية للشريط الحدودي على غرار مناطق شمال القطاع.
نبذه تاريخية عن وادي غزة
تبدأ منطقة وادي غزة من تلال بئر السبع، حتى جنوب عسلوج ويتغذى بمياه بعض الأودية كوادي جِرار، وادي بئر السبع ووادي الشريعة، ويُعتبر أكبر أودية فلسطين بعد نهر الأردن من حيث مساحة حوض تغذيته وتصريفه، والتي تقدر بنحو 3390 كم2، ويقع حوضه في منطقة قليلة الأمطار وتتراجع نسبتها من سنة إلى أخرى حيث تصل أحياناً إلى 350 ملم في الشمال و100 ملم في الجنوب. ويقع الوادي جنوب مدينة غزة، ويبلغ طوله حوالي 120 كم، 8 كم في لواء غزة فقط ، وهو وادٍ سيلي يصب في البحر الأبيض المتوسط على مسافة 6 أميال جنوب مدينة غزة، واسم وادي غزة لا يطلق عملياً إلا على مجراه الأدنى، في حين تُطلق على أجزاء مجراه الأوسط والأعلى أسماء متعددة منها وادي الشلاله، وادي شنق، وادي الخلصه، وادي ثميله، ويقع رافده الأعلى في الخليل، والمياه الجوفية في مجراه الأدنى قريبة من سطح الأرض، ويمكن الحصول عليها بالحفر البسيط أيام الصيف والجفاف.
وتتألف بدايات وادي غزة من عدد من المسيلات والمجاري السيلية الصغيرة التي تنحدر من مرتفعات قد يصل ارتفاعها عن منسوب مستوى سطح البحر نحو 500 متراً شمال جبال المحيا، و600 متراً في مرتفعات البقار و675 متراً في جبال الحثيره، ومن هذه المناطق الثلاث الواقعة في الشمال الغربي، الغرب والجنوب الغربي من منخفض الحثيرة وتجريفها في النقب الشمالي. تتجمع مياه الأمطار والسيول لتلتقي في ثلاثة أودية صغيرة هي: وادي الراعي، وادي حلقيم ووادي غزة، ويدخل الوادي بعد ذلك ممراً ضيقاً عبر صخور مرتفعات شجرة البقار بأكواع عميقة محفورة في صخور كلسية -دولوميتية عائدة للعصر السينوماني "الكريتاسي.
بعد خروج الوادي من مرتفعات شجرة البقار، يتخذ خط سيره منحدراً شمالياً حتى موقع بئر الثميله ويسير الوادي بعد بئر الثميله في ارض سهلية، ويلتقي بوادي غزة مياه وادي عسلوج ووداي عوسجه القادم من الشرق، وفي هذا الجزء من مجرى وادي غزة تقترب من جوانبه الشرقية "اليمنى" مساحات من الكثبان الرملية تُعرف باسم رميله حامد والخلصه وينابيع الوادي، والتي تسير شمال غرب حتى تلتقي بوادي بئر السبع الذي يعد أهم رافد له والسبب في جعل حوض وادي غزة، أكبر أودية فلسطين مساحة .
وتظهر الحافات الجرفيه يمين الوادي في منطقة بئر شنق ويُعرف جزء من الوادي بوادي الشلاله نسبة إلى عين بهذا الاسم، ويتعرج وادي غزة ويرسم الأكواع الواضحة بعد رافد وادي الشريعة، حتى يقطع طريق السيارات بالسكة الحديد الواصلة بين فلسطين ومصر على امتداد السهــل الساحلي، ثم ينعطف متجها نحو الغرب في الجنوب الغربي وينتهي في مياه البحر الأبيض المتوسط وفي جنوب مدينة غزة، وشمال غرب النصيرات، ووداي غزة.
وتعد المساحات الواقعة على جانبية من أهم مناطق جنوب فلسطين التي ترتادها العشائر البدوية مع قطعان أغنامهم وإبلهم لكثرة الآبار المحفورة والاحساء المنتشرة في بطن الوادي وروافده، ولتوفر غطاء من الأعشاب تنتشر في منطقة تغذية وادي غزة، وإجمالاً تعتبر منطقة وادي غزة فقيرة اقتصاديا لاعتمادها على مياه الأمطار في الزراعة، وفي الآونة الأخيرة أقامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية سداً على الحدود الشرقية للقطاع لحجز الجزء الأكبر من مياهه للاستفادة منها في الزراعة.
إلا أن تراكم مجاري مخيمي النصيرات والبريج في مجرى الوادي الأدنى، أدى إلى تكون مكرهة صحية من المستنقعات الكريهة والبعوض. كما يوجد على المجرى الأدنى جسر إسمنتي لتسهيل خط سير المواصلات البرية.
|