مبادرات بيئية
رقعة خضراء وسط كتل إسمنتية
المقدسي محمد العسلي يعيد تدوير قطع المنزل ويبث الخضرة في حديقته المعلّقة
ربى عنبتاوي
خاص بآفاق البيئة والتنمية
من وسط التزاحم الإسمنتي والبشري الذي أصبح معلماً من معالم القدس الشرقية، تكاد تنعدم الخضرة ويختفي الشجر، فلا تتسع المدينة المحاطة بجدار الفصل لتزايد السكان الطبيعي، فيتراصون في مساحات تضيق مبتلعةً الفراغات المتبقية والحدائق حول البيوت. ولكن الأمر يختلف مع المقدسي محمد العسلي، الذي لا يحتمل أن يحاط بجدران وحجارة دون حياة خضراء وخرير للمياه، ما حدا به إلى استحداث حديقة صغيرة على سطح منزله الكائن في حي الثوري، فأضحت متنفساً له ولأسرته من تلوث الاسمنت وكآبة الحجر.
يعمل محمد فنيَ أشعة في إحدى مستشفيات القدس الغربية في ساعات النهار وحتى الليل، وحين يعود إلى المنزل، يتفرغ لحديقته الخضراء التي لا تزيد عن 15 متراً مربعاً، فيهتم بالأصص الكثيرة على محيط الحديقة، فيقلم أوراقها ويسقيها، وفي المنزل يفتش عن الأشياء التي لم تعد تصلح للاستخدام فيفكر في إعادة استخدامها مجدداً، فعنده الأشياء لا تفنى بل تستحدث دوماً.
محمد الثلاثيني والأب لثلاثة أطفال، يقول عن حبه للحديقة: " كانت هوايتي منذ الصغر أن اهتم بالنباتات القليلة المزروعة في بيتنا (شجرة رمان، ليمون، حوض نعنع، نباتات زينة) فاسقيها وأرعاها، وأراقب نموها واقطف ثمرها، كنت أهوى جمع علب الحليب المعدنية الفارغة، لأملأها بالتراب ثم اختار نبتة لزرعها فيها".
|
|
هواية منذ الصغر
منذ الصغر برز لدى محمد فضول البحث عن الأشياء الخفية داخل الألعاب المتحركة، فكان يفكها ويفحص ما بداخلها، ومن ثم يستخدم محرك اللعبة في استخدامات أخرى، كما كان يعشق إصلاح مذياع معطل أو غسالة أو تلفاز، ليكون "حلاّل المشاكل" في المنزل، كما كان متخصصاً في تركيب وضبط محطات التلفاز عبر تركيب وتوجيه الهوائيات على السطح.
"كنت انظر إلى الأشياء التي لم تعد صالحة للاستخدام، فأرى فيها منفعةً، وتاريخاً أن تخلصنا منه اليوم فسيأتي الجديد غيره ولن يعود نفس القديم. كما كنت أهوى جمع قطع التراث الفلسطيني والتطريز". قال محمد
يحب محمد البساطة في الحياة ونمط الحياة البدوية،حيث قام بتغليف غرفة حجرية له -في بيت واسع اشتراه في الرام في الأمس وهجره اليوم بسبب الاغلاقات- بخيمة بدوية، فرش أرضيتها بُسطاً، ووضع فيها بئراً صنعه من عيدان خشبية علّق عليه دلواً في المنتصف، مع إبريق قهوة نحاسي لتقديم القهوة العربية، ما ينقل الضيف إلى أجواء الصحراء.
خضرة معطّرة بالريحان واللويزة
في حديقته الصغيرة الموجودة على سطح غرفة أضافها ليتسع المنزل عائلته المكونة من خمسة أفراد، نرى أصصاً كثيرة مزروعة بنباتات زينة من صبار إضافة إلى الأعشاب العطرية كالريحان واللويزة والنعنع، وهناك شجر ليمون، نخيل وأسكدنية، وأعلى الأصص يسوّر محمد حديقته بسور حديدي من بقايا مواد بناء الغرفة الإضافية.
في الحديقة أيضاً، نافورة حجرية كانت حوض مطبخ قديم غلّفه بصخور ووضع أسفله محركاً كهربائياً، فأصبح نافورة وكأنها نبعة تفيض من عمق الأرض، وليضيف مزيداً من الخضرة اشترى عشباً اصطناعياً اخضر على مساحة الأرض فأضاف مزيداً من الإحساس بالطبيعة، وبين الأصص وضع قطع أشجار قديمة طلاها بالبني اللّماع ليضفي مظهراً جمالياً، واستخدم الجرار القديمة والدلاء البلاستيكية كأحواض زراعية، كما استغل اسطوانات الألمنيوم والقصدير الكرتونية، كعلاّقات ثبت عليها أضواءً ملونة لإضفاء جو جميل في الليل.
"كل غرضٍ اشتريه منذ البداية اعرف ماذا سأفعل به بعد انتهاء أجله، فمذياع أبي المصنوع في السبعينيات ما زال يعمل حتى اليوم؟" قال محمد.
ويستخدم محمد أسلوب التنقيط لبعض الأصص، حيث تعرّف عليه من صديق يعمل في فندق يستخدم هذا الأسلوب، وبدلا من اعتماد الحاسوب في الرش والذي يكلف 1500 دولار، يقوم محمد بري الأصص بواسطة صنبور ماء يتحكم بفتحه وإغلاقه.
وفي الحديقة يساعده طفلاه في أمور البستنة، وكذلك زوجته لينا التي تتفهم وتقدّر حبه للاحتفاظ بالأشياء القديمة أو الغير صالحة للاستخدام، لأنها هوايته التي تدخل السرور إلى قلبه.
الطبيعة جميلة دون عبث البشر
وعن البيئة الملوثة يقول: "نحن من يشوه الطبيعة ويسيء إليها، وبالنسبة لي فانا أربي أولادي على حب النظافة وإزالة النفايات عن الأرض، كما أشجع أولاد الحي على إزالتها عن الطريق وأحيانا اضطر لإعطائهم شواقلا ليستجيبوا لي، لأن الأمر للأسف غريب وغير وارد في سلوكهم."
" حلمي ان أجد نفسي في غابة فيها حيوانات ومزروعات وأشجار، كما أتمنى السفر إلى تايلند حيث الخضرة الدائمة والمياه، والى هضبة الجولان حيث يوجد العسل الأصيل، وجبال الألب لأن في أسفلها مياهاً تعد الأعذب في العالم.
استراحة وتأمل وفنجان قهوة
يتمنى محمد الخروج من هذا الازدحام الحجري والبشري، والإقامة في قلعة حولها شجر وبئر، ما هو ليس بالأمر المستحيل -على حد تعبيره- مضيفاً: "ما دام الإنسان يحيا على هذه الأرض فكل شيء ممكن".
نظرته للبيت المثالي، تقترن بالخضرة فطالما هي موجودة، فهناك المتنفس المريح، ولفنجان القهوة والشاي مذاق آخر، وعن هواياته عدا الزراعة، يمارس العسلي الرياضة ويحب قراءة المواضيع الفلسفية والسياسية.
|