October 2010 No (29)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تشرين اول 2010 العدد (29)
 

ندوة العدد
الدعوة إلى تكثيف الأبحاث التطبيقية في الجامعات
اتفاق باريس الاقتصادي عزز تبعية الاقتصاد الفلسطيني لاقتصاد المحتل
آفاق الزراعة العضوية والاقتصاد المقاوم في ظل الحصار والتجويع بقطاع غزة
ندرة الموارد الطبيعية وضعف البنية التحتية معيقات تواجه الزراعة العضوية
                                        

                           

ماجدة البلبيسي وسمر شاهين
خاص بآفاق البيئة والتنمية

طالب اختصاصيون في مجال البيئة والأمن الغذائي بتعزيز التعاون المشترك بين المؤسسات غير الحكومية ووزارة الزراعة، وتحديد المحاصيل المزروعة بما يحقق الأمن الغذائي ويساهم في تعزيز سياسة الاعتماد الذاتي تدريجيا، وبما يحمي مصالح المزارعين والتجار معاً، والتوجه نحو الزراعة العضوية على مساحات محدودة، مع التركيز على إعادة تأهيل الغطاء النباتي الذي دمّر جراء الاجتياحات المتكررة والحرب الأخيرة على قطاع غزة، والاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الشمس والنفايات الصلبة والحمأة، وتشجيع المشاريع والأبحاث التطبيقية الإبداعية في الجامعات والمعاهد العليا ذات العلاقة بالطاقة، إضافة إلى تبني حملات للحد من استخدام المركبات داخل المدن وخاصة كون المدن الفلسطينية صغيرة المساحة.
كما أوصوا بما يلي: التوسع في برامج التوعية الخاصة بترشيد استهلاك الطاقة كمصدر مهم لحماية الموارد الطبيعية، دعم وتطوير قدرات المزارعين، دعم المنتج المحلي، دعم البحث العلمي في المجالات الزراعية المهملة منذ عقود طويلة، التوجه إلى الاقتصاد المقاوم وزراعة ما يلزم لا ما يمكن، التوجه للزراعة العضوية، إنتاج مدخلات الإنتاج الزراعي من "أسمدة وآلات ومواد كيماوية زراعية"، التوجه كذلك للاستزراع السمكي لتوفير الغداء المتكامل من البروتين، التقليل من استخدام المبيدات الكيمائية في الزراعة  وتوعية المزارعين بأهمية ونجاعة ذلك .
جاءت هذه التوصيات خلال اللقاء الحواري بعنوان: "آفاق الزراعة العضوية وبدائل في ظل الحصار والتجويع بقطاع غزة". والذي يأتي ضمن تنظيم الندوات الخاصة بمجلة "آفاق البيئة والتنمية" الصادرة عن مركز العمل التنموي/معا والهادفة إلى بلورة منبر لمناقشة مفيدة ومهنية ومؤثرة لمختلف القضايا البيئية والتنموية، وذلك  لتأسيس لسياسات وممارسات واستراتيجيات تنموية مستدامة وصديقة للبيئة، بحيث دأبت المجلة على عقده شهريا لمناقشة القضايا البيئية الحساسة المطروحة على الساحة، والتي تهدد صحة وحياة وبيئة المواطن. وذلك بحضور نخبة من الاختصاصيين والخبراء بهذا الشأن.
  ويهدف هذا اللقاء إلى: مناقشة وطرح المبادرات والمشاريع الزراعية البلدية والعضوية في قطاع غزة، آفاق الإنتاج الزراعي العضوي والدور الذي يمكن أن يلعبه في مواجهة الحصار والتجويع، إعادة تأهيل البيئة الفلسطينية، بحث دور المؤسسات الحكومية والأهلية والوطنية في دعم وتعزيز وتعميم المبادرات الإنتاجية المعتمدة على الذات، والمساهِمة عملياً في ترسيخ دعائم الأمن الغذائي المستدام تنمويا وبيئيا.
وتعالج الندوة: آفاق تشجيع وتطوير الإنتاج الغذائي والزراعي البلدي البيئي القائم على إنتاج الاحتياجات الأساسية للناس وتنويع المحاصيل، التركيز على الأنماط الزراعية البلدية والعضوية الصديقة للبيئة، المساهمة في التحرر من التبعية الغذائية للأجنبي والمعزّزة لاقتصاد الصمود

دعم الأسر الفقيرة في غزة من قبل مركز معاً
وقدم منسق مشاريع الأمن الغذائي في مركز معا مهدي جربوع، ورقة عمل تضمنت المشاريع الحالية التي ينفذها معا والهادفة إلى دعم الأسر الفقيرة ومساعدتها في توفير وتحقيق الأمن الغذائي لها، من خلال عدة أنشطة ومشاريع ممولة من مؤسستي الاكسفاوم والاتحاد الأوروبي، منها مشروعان، الأول:  الحدائق المنزلية فوق أسطح المنازل، وهو نظام داعم للزراعة الحضرية لدعم الأسر الفقيرة وتحسين أمنها الغذائي، حيث تم دعم (50 ) حديقة منزلية كمشروع تجريبي في منطقة الزيتون، الشيخ رضوان، منطقة الزرقاء  وبني سهلا.
وأوضح جربوع أنه جرى اختيار الفئة المستفيدة وفق معايير الحاجة وتحديد احتياجات المجتمع المحلي ومن ضمن الشروط أن يكون لدى المستفيدين خبره، أن يكون المشروع ضمن التكلفة العالمية، لافتا أنه يتم التغلب على  ظروف الحصار وندرة الموارد والخامات باستخدام البدائل المتوفرة .
وتابع المهندس جربوع أن المشروع الثاني هو مشروع تربية الأرانب الذي يفضله عن غيره، نظرا لأنه مدرٌ للدخل، حيث جرى توزيع( 350 ) وحدة أرانب على الأسر الفقيرة، بدعم من الاكسفاوم بحيث يحصل  كل مستفيد على  4 اناث وذكر، مرفق معها حقيبة أدوية بيطرية عدا عن تنظيم دورة تدريبية للمستفيدين لمدة أربعة أيام يتخللها تدريب عملي حول تربية الأرانب .
وتطرق المهندس جربوع إلى المشروع الجديد المتعلق بالحدائق المنزلية وهو التوسع في الزراعة الحضرية المنزلية إلى الزراعة على الأراضي بمساحة تتراوح من 200- 500 متراً مع مراعاة معايير الاحتياج .
وأشار أن هناك مشاريع أخرى أيضا، تهدف إلى تعزيز الصمود وتحقيق الأمن الغذائي، منها  توزيع الأغنام على فئات المزارعين المتضررين، موضحاً أن هناك توجه لتنفيذ مشروع الاستزراع السمكي بعد التغلب على الصعوبات التي تقف حائلا دون تنفيذ هذا المشروع الحيوي ومنها المياه وتوفرها، كما أسماك المياه المالحة أكثر رغبة لدى المواطن من المياه العذبة عدا عن كونها تحتاج إلى رعاية خاصة.
وعرض بعض التجارب الناجحة من الفئات المستفيدة والتي شملت فئات العمال العاطلين عن العمل وذو الاحتياجات الخاصة، والتي ساهمت في تحسين دخلهم وتوفير الأمن الغذائي لأسرتهم، حيث ضرب مثالا على مستفيد من مشروع الأغنام لم يقم ببيع أي إنتاج من مشروعه، بل حقق الأمن الغذائي لأسرته عدا عن مساهمته في تحسين نفسيات هؤلاء الفئات المتعطلة عن العمل، وتحسين العلاقات الأسرية والسلم الأسري .

الحصار على غزة وإيجاد البدائل
المدير العام في سلطة جودة البيئة والخبير في مجال الطاقة  المهندس عوني نعيم، قدّم ورقة عمل بعنوان "استمرار الحصار على غزة وضرورة إيجاد بدائل للطاقة"، تطرق فيها إلى أهمية مصدر الطاقة للعالم عامة والمجتمع الفلسطيني خاصة، والذي استوجب وضعه الاقتصادي والسياسي، أن يحاول توفير الطاقة اللازمة رغم الممارسات اللاإنسانية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي. موضحا أن 45% من الطاقة الشمسية العالمــية موجودة  في المنطقة العربية،.ثم قدم لمحة تاريخية عن تطور مراحل إنتاج الطاقة عبر العصور المختلفة .

 


وتحدث عن مصادر الطاقة غير المتجددة  (الطاقة التقليدية أو المستنفذة) وهى تلك المحدودة والتي تفقد كميات  منها ولا يمكن تعويضها. ويعتمد الإنسان في حياته في الوقت الحاضر على مصادر الطاقة غير المتجددة، والتي تقسم  إلى مصادر الطاقة الأحفورية (التقليدية) التي تكونت عبر ملايين السنين من جرَاء تحلل الكائنات القديمة نباتية وحيوانية في بيئة لاهوائية، كمخزون طاقة هائل. وتشترك مصادر الطاقة الأحفورية في أنها تتكون جميعا من مواد هيدروكربونية (مركبات الكربون والهيدروجين )، ومنها الفحم الحجري، البترول والغاز الطبيعي.يمثل حيث يمثل الفحم الحجري ما يقارب( 25 % ) من مجموع الاستهلاك العالمي من الطاقة، فيما يمثل البترول تقريبا( 35 %) من الاستهلاك العالمي الحالي من الطاقة، فيما يمثل الغاز الطبيعي ( 20% ) من الطاقة التي يستهلكها العالم حاليا.
وتطرق إلى مصادر الطاقة النووية المتوفرة  في باطن الأرض كمركبات معدنية، يتم استخراجها بكميات محدودة مثل اليورانيوم والثوريوم، وتستخدم لوقود للمفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربائية أو الحصول على بخار ماء يمكن الاستفادة منه في تحلية مياه البحر.
أما  مصادر الطاقة المتجددة هي تلك المصادر الطبيعية الدائمة التجدد. وهي التي نحصل عليها من خلال تيارات الطاقة التي يتكرر وجودها في الطبيعة على نحو تلقائي ودوري، وهي تتمثل في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه وطاقة الكتلة الحية، كذلك فإن طاقة المحيطات وطاقة المد والجزر وطاقة الحرارة الجوفية في باطن الأرض هي أيضاً طاقات متجددة. حيث أن استخدامها لإنتاج الطاقة لا يقلل من مخزونها.

الطاقة والاقتصاد الفلسطيني
وقال المهندس نعيم: " تعتبر فلسطين عامة وقطاع غزة خاصة من المناطق الأكثر فقراً في العالم لمصادر الطاقة التقليدية، فلم يكن في يوم الأيام لدى الفلسطينيين القدرة على تغطية احتياجاتهم من مصادر الطاقة محلياً. واعتمد قطاع غزة على المستورد من الطاقة في تغطية حوالي( 95 %  )من احتياجاته لها، وهذا الأمر كان دوماً نقطة ضعف في استقلال الاقتصاد الفلسطيني، وعائق رئيس في وجه انجاز تنمية حقيقية"
وأوضح نعيم أن أزمة الطاقة تجلت بشكل واضح  خلال السنوات الخمس الأخيرة، أي منذ فُرض الحصار الظالم على قطاع غزة من قبل الاحتلال الصهيوني بمساعدة ومباركة عربية وعلى مرأى ومسمع من كافة دول العالم ومنظماته الإنسانية والحقوقية، حيث تحكمت سلطات الاحتلال في كميات الوقود والطاقة الكهربائية التي يسمح بدخولها إلى القطاع، واستخدام الاحتلال سلاح الطاقة وسيلة حارب فيها شعبنا ليُثنيه عن تمسكه بحقه في المطالبة بحقوقه الشرعية، ويرغمه على التنازل عن حقه في الدفاع عن ثوابته.
 وتابع أن العدو بهذه الممارسات دمّر عجلة التنمية والاقتصاد الفلسطيني، إما بوقف تزويد القطاع بالكميات المطلوبة من الطاقة لتحقيق التنمية الاقتصادية، أو بقصف كافة المصانع والمعامل وخاصة تلك ذات الصبغة الإستراتيجية. 

أزمة الطاقة في قطاع غزة
وأشار المهندس نعيم أن أزمة الطاقة ومعاناة المواطن الفلسطيني برزت منذ القدم، جراء  تطبيق السياسة العنصرية في كافة المجالات، ومن أهمها مجال الطاقة منذ احتلال قطاع غزة والضفة الغربية عام 1967، وربط شبكة الكهرباء الفلسطينية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية بالشبكة القطرية الإسرائيلية، ومنع أي من الشركات الوطنية الفلسطينية من إنتاج أي كمية من الطاقة الكهربائية دون التنسيق المسبق مع شركة الكهرباء الإسرائيلية. فضلا عن  ربط سوق الوقود الفلسطيني بالسوق الإسرائيلية. حيث استمر هذا الأمر برقابة إسرائيلية كاملة حتى عودة السلطة الفلسطينية إلى غزة عام( 1994 )على إثر اتفاقية أوسلو، وتوقيع اتفاقية باريس التي حررت الاحتلال من التزاماته القانونية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة عام ( 1967).
وتابع  بعد ذلك زادت معاناة المواطن الفلسطيني وبصورة جلية في قطاع غزة، حيث أصبحت تلك المعاناة شبه يومية نتيجة النقص الحاد والمتكرر في كميات الوقود، ما أدى في نهاية المطاف إلى إعاقة عجلة التنمية في ظل ارتفاع ملحوظ في عدد السكان وزيادة في معدلات استهلاك الطاقة.
وأضاف المهندس نعيم أنه مع  نهاية( 1998 ) استقر  الرأي على إنشاء محطة توليد طاقة كهربائية لسد احتياجات القطاع، على أن تكون قدرتها في عام ( 2005 ) حوالي 280 ميجاوات.  وخلال عام( 2003 ) تم تشغيل المرحلة الأولى من المحطة بقدرة (140 ميجاوات)، تعمل من وقود السولار الصناعي، على أن يتم الاستفادة من الغاز الفلسطيني الذي تم اكتشافه في عرض البحر قبالة ساحل غزة. ولكن القدرة الفعلية للمحطة لم تزيد عن( 115 ميجاوات ) في أحسن الأحوال. وتابع من هنا بدأت مرحلة جديدة من المعاناة حيث قدرة المحطة لم تغط العجز بالكامل، بالإضافة إلى أن السلطة الفلسطينية لم تتمكن من استخراج الغاز الطبيعي، وبالتالي بقي الاعتماد على الوقود الذي يتم توريده من إسرائيل.  وهذا ما حذر منه العديد من الخبراء والمختصين ولكن القرار السياسي، كان مع تشغيل محطة  التوليد رغم التحكم الإسرائيلي في كميات الوقود المسموح توريدها للمحطة.
وأكد المهندس نعيم أن ما زاد الطين بله، قصف المحطة في حزيران( 2006) وإعادة صيانتها بأسلوب كان مرفوضاً جملة وتفصيلاً من كافة الجهات الوطنية ذات العلاقة، حيث أن قدرة المحطة الحالية لا تزيد عن( 55 ميجاوات) في حال توفر كميات الوقود الكافية لذلك.
وأوضح المهندس نعيم أن الاحتلال  تجاوز  الخطوط الحمراء فيما يتعلق بحقوق الفلسطينيين الإنسانية في العيش بكرامة. فكانت بداية الحصار الظالم على قطاع غزة منذ نجاح حركة حماس في الانتخابات في كانون ثاني من عام ( 2006). ولكن اشتد بعد حزيران ( 2007 )، وتم وقف توريد كافة أنواع الوقود من سولار وبنزين وغاز طهي، بما في ذلك الوقود الصناعي اللازم لتشغيل محطة توليد الطاقة،  وأثر ذلك بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني، وخاصة خلال حرب الفرقان على غزة.

محاولات التغلب على أزمة الطاقة
وتحدث المهندس نعيم عن محاولات التغلب على أزمة الطاقة، حيث دفع الحصار الإسرائيلي بمعظم الأسر الفلسطينية إلى تغيير أنماط حياتها، نتيجة تأثيرات الحصار السلبية والتي طالت كافة مناحي الحياة، وأثرت على المجتمع بصورة بالغة، وجمدت حراك الحياة الفاعلة فيه. ولكن استطاع المواطنون احتمال كل الضغوطات الناجمة عن الحصار والحفاظ على سير حياتهم اليومية وإن كانت بوتيرة أقل. فقد حاول المواطن الفلسطيني في قطاع غزة على المستوى الفردي التأقلم مع الأوضاع غير الطبيعية اللاإنسانية، فابتدع الكثير من الأساليب لتوفير مصادر طاقة بديلة. ومن هذه الأساليب كان استخدام زيت الطهي في تشغيل المركبات، واستخدام مولدات الديزل والبنزين للإنارة وانجاز الأعمال المنزلية والتجارية. كما تم البحث في إمكانية إيجاد بدائل أخرى للتدفئة أو تسخين المياه كحرق الأخشاب والنفايات الصلبة.
وتابع  في ذات  السياق، أن  الاستفادة من الأنفاق على الحدود مع مصر في إدخال كميات كبيرة من السولار والبنزين وبأسعار زهيدة، ساعدت في استمرار عجلة الحياة في القطاع رغم قسوة الحصار. كما كانت هناك محاولات خجولة في الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة وخاصة الشمس في توليد الطاقة الكهربائية وتسخين المياه. ورغم أنها كانت محاولات متواضعة ولها تأثير سلبي كبير على البيئة والإنسان الفلسطيني، إلا أنها أدت الغرض منها في حينه، وقدمت رسالة واضحة إلى جميع من يشارك في حصار الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وهو أن الشعوب الحية لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي أمام الغطرسة الإسرائيلية.

بدائل للتغلب
واختتم المهندس نعيم ورقته بتقديم بدائل لأزمة الطاقة والتي  ليست وليدة الحصار، وإنما هي أزمة تراكمية جاء الحصار ليزيد من شدتها، وقد دفعت الجميع من مهتمين ومختصين وأصحاب قرار للتفكير في بدائل للتغلب على الواقع الصعب بالتوجه إلى بدائل ذات قيمة اقتصادية فاعلة. وفي مقدمة هذه البدائل التخلص من التبعية للاحتلال والتوجه إلى برامج ينتج عنها مصادر طاقة مقاومة، فالأمر ليس بالمعجزة.
وقدم ممثلا عن  وزارة الزراعة المهندس نزار الوحيدي ورقة عمل حول آفاق الزراعة العضوية في ظل الحصار والتجويع في قطاع غزة، عرض في بدايتها جملة من المصطلحات التي تبني عليها وزارة الزراعة فكرها المقاوم، ومنها الحصار والذي يعني زراعيا منع مدخلات الإنتاج الزراعي من الدخول إلى القطاع، والاجتياح وهو تدمير البنية التحتية الزراعية، والمحصلة حرب تجويع وضرب للأمن الغذائي وانتهاء بهدف الاحتلال وهو ضرب ثقافة المقاومة، وتحقيق الابتزاز السياسي وما لم يتحقق بالسلاح، فيتحقق بهذه العملية .

وتحدث عن دور وزارة الزراعة المتمثل في قيادة القطاع الإنتاجي في مجالات إنتاج الغذاء المختلفة "نباتي وحيواني"، توجيه السياسات الزراعية و إدارة العملية الزراعية ذاتها لتحقيق سياسة الحكومة، التوعية الاستهلاكية بهدف التحول من النمط الاستهلاكي إلى النمط الإنتاجي واستجلاب الأنواع الغذائية البديلة وتطوير إنتاجها.

وتطرق المهندس الوحيدي إلى عملية التخطيط الزراعي عبر التاريخ، منذ الخلافة العثمانية وصولا إلى ما قبل الاحتلال البريطاني، ومن ثم فترة الاحتلال الصهيوني إلى مرحلة السلطة الفلسطينية، التي ثبتت عملية ربط الاقتصاد الفلسطيني باقتصاد الاحتلال، وتم التركيز فيها على المشاريع التصديرية دون مراعاةٍ لتكلفة المياه وتكلفة السعر الاجتماعي لها .

وانتقد المهندس الوحيدي عملية التخطيط في ظل الأزمة، والتي يجب ألا تكون كردة فعل واستجابة لضغوط، ولكن كعملية متكاملة لتعزيز الفكر المقاوم والذي يقود الزراعة إلى الفكر المقاوم باتجاه التحرر من القيود الاقتصادية ومخلفات اتفاقية باريس الاقتصادية، بناء قطاع زراعي يحقق الأمن الغذائي النسبي والتأسيس لبنية تحتية  تستطيع تحقيق الأهداف، مؤكدا على ضرورة أن تمر مراحل التخطيط الزراعي الحالي بعدة مراحل منها: مراجعة الوضع السابق، دراسة الموارد والإمكانات والوقوف على أوضاعها الحالية، تحديد المسار الإنتاجي  في ظل الاحتمالات (السيناريوهات) المختلفة، ومنها احتمالية وجود حل سياسي أو اتفاق مع إسرائيل وعودة الأوضاع كما كانت قبل (1987 )، رفع الحصار عن مدخلات الإنتاج مع منع التصدير واستمرار الحصار الاقتصادي واشتداد الأزمة ومن ثم وضع الخطط التي تتضمن مرحلة التجربة ومرحلة التنفيذ .

دور وزارة الزراعة في غزة
ثم قدم رؤية وتوجهات وزارة الزراعة في غزة والحلول للتخفيف من أزمة التجويع والحصار والمتمثلة في حماية الموارد الطبيعية، دعم وتطوير قدرات المزارعين، إحلال الواردات، دعم المنتج المحلي والبحث العلمي في المجالات الزراعية والتوجه إلى الاقتصاد المقاوم، زراعة ما يلزم، التوجه للزراعة العضوية، إنتاج مدخلات الإنتاج الزراعي "أسمدة وآلات ومواد كيماوية زراعية"، تغيير التركيب المحصولي Crop pattern بما يدعم السياسات الزراعية والتوجهات الاقتصادية الزراعية و زراعة المحاصيل المقاومة.
             
ثم قدم عرضا لنماذج من مشاريع وزارة الزراعة منها:  التحول للزراعة العضوية وإطلاق تسمية عام  ( 2010) بأنه عام الزراعة العضوية، إنشاء محطة القسطل للزراعة العضوية "نواة معهد القسطل للزراعة العضوية"، إنتاج وتجريب الذبال "الكومبوست" من المخلفات النباتية والحيوانية ثم الحمأة، إنتاج الذبال تجاريا "بأسعار رمزية" وتوزيعه على المزارعين ومجانا للمتضررين، والاستزراع السمكي عبر  إنشاء برك تربية الأمهات وإنتاج الإصبعيات،  استزراع أسماك المياه العذبة واستزراع أسماك المياه المالحة، إنشاء محطة تجارب التربية والاستزراع السمكي وإنتاج الفطر عبر محطة إنتاج الفطر المحوري (الإنتاج التجريبي  والاستهلاكي والتدريب والتوعية)، إنتاج الآلات الزراعية من خلال آلات خط إنتاج الذبال، وآلات تقليبه وتقطيع المخلفات النباتية والتعبئة "الغربال الميكانيكي" وآلة الحفر وزراعة الغراس، مع وحدة الميكنة والورش، وأخيرا التطوير العلمي والبحثي  من خلال إنشاء مختبر زراعة الأنسجة إنشاء مشاتل الأمهات والأصول الوراثية للأشجار، إنشاء مختبر الأصول ومشتل الفاكهة الإنتاجي "مليون زيتونة ومليون شجرة مثمرة"، إنشاء مختبر بحوث تطوير الفطر "ان أمكن إنتاج بادرات فطر أجريكس".
وعبر عن وجهة نظره اتجاه الزراعة العضوية حتى لا تكون مجرد تقليعة، يجب أن تراعى جميع المعطيات الموجودة بما يحافظ على التوازن البيئي ويحقق الكم والجودة معا، وبما لا يضر بمصالح التجار والمستهلكين على حد سواء، معتبرا أن أسباب التدهور البيئي هو الزراعة في المقام الأول، مؤكدا أنه لا يمكن التحول إلى الزراعة العضوية بدون وجود موارد طبيعية وبنية تحتية سليمة والتي تحتاج إلى سنوات حتى تتعافى من المدخلات العضوية .
وقدم د.  احمد صالح عميد كلية الزراعية سابقا استشاري UNDP/GEF لمشروع المكافحة البيولوجية للعنكبوت الأحمر وتربية العدو الطبيعي في حقول الفراولة بشمال غزة، ورقة عمل بعنوان: "الموارد البيئية والغذاء الآمن" مؤكدا أن الموارد البيئية تعتبر أمانة في أيدي البشر والانتفاع بها حق للجميع وفي كل الأوقات والأجيال، بشرط المحافظة عليها واستثمارها بشكل لا يعرضها للفساد والتشويه. مشيرا إلى أهمية  الغذاء الآمن والتربة الزراعية لاستمرار الحياة على الأرض .
واستعرض  معوقات التنمية الزراعية المستدامة والمتمثلة بمجموعة العوامل المحددة للاستخدام الأمثل للموارد ، الآفات والأمراض، التقنيات الحديثة والضغط السكاني والظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

خطة إستراتيجية
 وأشار أن تحقيق التنمية الزراعية والأمن الغذائي، لا يتحققان إلا من خلال  خطة إستراتيجية متكاملة لتحقيق التنمية الزراعية المستدامة، والتي تتماشى مع المتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لرفع معدلات التنمية الزراعية، زيادة الإنتاجية المحصولية، إعادة تأهيل الأراضي الزراعية المدمرة، تعظيم الاستفادة من المخلفات الزراعية، ترشيد استخدام الكيماويات الزراعية من أسمدة ومبيدات والذي يؤدى إلى حماية البيئة من التلوث وتحقيق الأمن الغذائي الصحي في فلسطين الخالي من الكيماويات .
وأشار أن التنمية الزراعية  تعتمد على بعض المفاهيم الحديثة في البيئة، ومن أهمها الزراعة العضوية حيث اهتمت وزارة الزراعة بمختلف هيئاتها والمؤسسات والمنظمات غير الحكومية بالزراعة العضوية، في مجالات الإرشاد والتدريب، الإنتاج الزراعي لزيادة إنتاج الغذاء الآمن ولتحقيق الاكتفاء الذاتي ومحاولة للتصدير بمواصفات يقبلها السوق العالمي خالية من الكيماويات، مما يجعلها آمنة على صحة الفرد والحد من مشكلة التلوث.
وتحدث د. صالح عن ماهية  الزراعة العضوية باعتبارها  نظام إدارة إنتاجي بيئي، يشجع ويزيد من التنوع الحيوي ودورة الكائنات الحية والنشاط الميكروبي في التربة واستعمال المكافحة المتكاملة للآفات. والتي تبني  على أساس الحد الأدنى من استخدام المدخلات الزراعية، من خارج المزرعة وإتباع معاملات زراعية تحافظ وتشجع على التناسق والتوازن البيئي.
وأوضح أن الزراعة العضوية هي نظام إنتاج زراعي يعتمد على استخدام المواد الطبيعية البيولوجية في الزراعة ويتلافى أو يستبعد أو يحد بشكل كبير من استعمال الأسمدة الكيماوية والمبيدات الضارة بالصحة العامة ومنظمات النمو ومضافات أغذية الحيوانات إلى أكبر قدر ممكن، وعدم  استخدام السلالات والكائنات المحورة وراثيا وكذلك الإشعاع المؤين و المواد الحافظة في عمليات التصنيع والإعداد أو التعليب، وبالتالي تصل المواد الغذائية إلى المستهلك بحالتها الطبيعية.
وأكد د. صالح على وجوب أن يلقى هذا النظام من الزراعة الرقابة والتوجيه الكاف، تحكمه قواعد وأسس وضعت لتوضيح كيف يتم الإنتاج الزراعي العضوي، ليفي بمتطلبات المستهلك من الغذاء الصحي الآمن الخالي من متبقيات العناصر الثقيلة والمبيدات والملوثات البيولوجية، أو أية  مواد تؤثر على صحة الإنسان.
 وتابع أن الإنتاج العضوي يحتاج إلى فترة تحول من الزراعة الكيماوية إلى الزراعة العضوية وعمليات تفتيش وتصديق لمناطق الإنتاج، وذلك للتأكد من توفر الشروط والمعايير في المنتج العضوي ولضمان حقوق المنتج والمستهلك، ويتم ذلك وفق شروط محددة تم وضعها بموجب قواعد وتنظيمات الإتحاد الأوروبي EU regulation ،  التي يتم العمل بها حتى الآن حيث لم تصدر أي قواعد وتنظيمات تخص فلسطين إلي وقتنا هذا.

إدخال اتجاهات
وتابع أن مفهوم الزراعة العضوية  يتضمن إدخال الاتجاهات الحديثة في مجال الإدارة المتكاملة للآفات الزراعية، وذلك في نظام الزراعة العضوية وإدخال العمليات الزراعية والطرق الفيزيائية والميكانيكية، مثل استخدام الفرمونات،  استخدام المكافحة الحيوية (مفترسات ومتطفلات ومسببات أمراض)،  زراعة أصناف نباتية مقاومة،  واستخدام نظام التنبؤ والإنذار المبكر عدا عن التسميد الأخضر والتسميد الحيوي. استخدام السماد العضوي الصناعي من المخلفات الزراعية واستخدام الطحالب، كمحسن للأراضي الصحراوية المستصلحة حديثا و استخدام الهندسة الوراثية في إنتاج واعتماد التقاوي، وكذلك تجميع الأصول الوراثية في مجموعات نباتية لحفظ هذه الأصول.
وقال أن الزراعة العضوية لا تلقى قبولاً فقط في الدول المتقدمة، بل تنمو بسرعة في جميع دول العالم. وتعطى بيانات الإنتاج العضوي في بعض الدول مؤشراً على مدى انتشار الزراعة العضوية، وتمثل نسبة المنتجات العضوية في الغرب بحوالي (10% )، كما تقدر التجارة في المنتجات العضوية عالمياً بحوالي( 11 ) بليون دولار، والمتوقع أن تصل إلى 100 بليون دولار في العشرة سنوات القادمة.
وأوضح أن نمط الزراعة العضوية يبنى على أساس مبدأ تغذية التربة بدلاً من تغذية النبات، وذلك لأنه يعيش في التربة ملايين الكائنات الدقيقة التي تساعد في تحليل التربة وإمداد النبات بالعناصر المغذية- عن طريق الأسمدة العضوية- مما يجعل النبات قادراً على أن يمتص من هذا المخزون متى احتاج إلى ذلك، وبالتالي تكون النباتات أقوى نمواً وأكثر قدرة على مقاومة الإصابات المرضية والآفات، موضحاً بداية ظهور مبادئ الزراعة العضوية على شكل محاضرات و بحوث أدولف ستينر خلال عام( 1931)م
وأشار د. صالح أن عام( 1980) م،  شهد  قفزة نوعية حيث تم نشر المواصفات الأساسية للزراعة العضوية بدعم من المنظمة الفيدرالية للحركات العضوية IFOAM والسوق الأوربية المشتركة لتطوير التجارة العالمية للمحاصيل العضوية .
وأوضح أن  قيمة المبيعات من الأغذية العضوية، وصلت إلى( 23 ) بليون دولار (2002) ، كما ازداد الطلب على المنتجات العضوية بنسبة 20% منذ سنة( 1990 ). وازداد سعر مبيعات المواد العضوية في الولايات المتحدة من 1 بليون إلى 7.8 بليون خلال 10 سنوات . وتطرق إلى أهداف الزراعة العضوية في  تطوير نظام زراعي مستمر. وتعتبر الحركة الاتحادية الدولية للزراعة العضوية والتي تضم في عضويتها عدداً من المنظمات التي تعمل في أكثر من 50 دولة،
     
(IFOAM) International Federation of Organic Agriculture Movement
وتشكل IFOAM لجنة توجيهية تنشيطية مسؤولة عن وضع القواعد و المعايير العامة، تكون بمثابة الأسس ومنه تضع كل منظمة قواعدها ومعاييرها تبعاً لظروف كل دولة، ومن أهم هذه الأهداف إنتاج غذاء ذو قيمة غذائية وجودة عالية وبكميات كافية للتفاعل البناء مع جميع الأنظمة الطبيعية، المحافظة على إنتاجية التربة الزراعية  وزيادة خصوبتها  عبر توفير العناصر الغذائية للنبات، مكافحة الحشرات والآفات بالطرق الطبيعية والبيولوجية،  المحافظة على صحة الإنسان، تشجيع وتنشيط النشاط الحيوي في الزراعة واشتماله على الكائنات الحية الدقيقة والنبات والحيوان، استخدام المصادر الطبيعية المتجددة في الزراعة والعمل على تنشيط الإنتاج الزراعي في نظام مغلق بالنسبة للمخلفات العضوية والعناصر الغذائية وغيرها من الأهداف .

فوائد الزراعة العضوية
وأشار أن هناك فوائدَ جمة للزراعة العضوية وفي مقدمتها أنها تحافظ على البيئة، فهي تقلل من تلوث المياه بالمواد الكيماوية و المبيدات، تحد من استخدام مصادر الطاقة غير المتجددة والمواد المصنعة وبالتالي تقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري والاستيعاب الكبير لكربون التربة، ما يجعل من التربة وسطاً حياً تنمو فيه الحيوانات والكائنات المفيدة، التي تساهم في إثراء الحياة الفطرية و زيادة أعداد الأعداء الطبيعية و المفترسات المفيدة، تعزيز قوام وبناء التربة وذلك من خلال إتباع دورات محصولية وزيادة المواد العضوية، وتحفيز تكاثر حيوانات ونباتات وكائنات التربة الدقيقة، توفير غذاء صحي خال من المضادات الحيوية والكيماويات والمبيدات، تقليل المخاطر التي يتعرض لها المزارعون والناجمة عن استخدام المبيدات السامة، إضافة إلى تنمية الريف وجعله متناغما مع الطبيعة واستيعاب أفضل للأيدي العاملة.

كما تطرق إلى الفوائد التي تعود على البيئة جراء الزراعة العضوية وهى استدامة الإنتاج الزراعي في المدى الطويل، بالمحافظة على الموارد البيئية الطبيعية وتقليل مصادر التلوث البيئي.

 

مفاتيح النجاح
وقدم جملة من مفاتيح النجاح للتحول إلى الزراعة العضوية وفي مقدمتها البدء بزراعة مساحات صغيرة مع تطور طبيعي، إعطاء القرار بناءً على بيانات صحيحة،  ضرورة الاحتفاظ بالسجلات والبيانات والخرائط والتطور من عام لآخر، وبذلك يمكن تحديد أي المحاصيل يمكن زراعتها ويكون تسويقها أفضل.
وأشار إلى الخطوات الواجب إتباعها عند التحول للزراعة العضوية المتمثلة بتفهم الموقع الحالي  بدقة، وأيضا تفهم الوضع المستقبلي  قبل اتخاذ القرار، الانضمام إلى أحد المراكز المعتمدة كعضو،  والاتصال بالأعضاء القدامى للاستفادة من خبراتهم، جمع أكبر قدر من المعلومات عن الزراعة العضوية من خلال قراءة الكتب والمجلات والصحف وأيضا زيارة مواقع الزراعة العضوية على الإنترنت،  البدء باستخدام العمليات عالية المستوى والشهرة ومنها تحليل عينات من تربة مزرعتك للتعرف على محتواها من المادة العضوية، وتقدير سعتها التبادليـة والكاتيونية (CEC ) ومحتواها من الأملاح والمغذيات، معرفة النشاط الميكروبي (البيولوجي) في تربة مزرعتك. هذه التحليلات تساعد في التعرف على درجة خصوبة التربة، تنشيط الكائنات الحية في التربة من خلال زيادة محتواها من المادة العضوية، إتباع دورات زراعية تحتوي على البقوليات.

الزراعة العضوية أفضل
وتطرق إلى أهم الاتجاهات والبرامج التعليمية والإرشادية لتنشيط إتباع الزراعة العضوية منها:  التعريف بأهمية الزراعة المستدامة والعضوية وأهمية المحافظة على البيئة، وذلك في جميع مراحل التعليم مع تشجيع البحث العلمي في هذا المجال، استغلال المناطق الجديدة المعزولة في الزراعة العضوية لمحاصيل للتصدير، استغلال المخلفات النباتية والحيوانية في إعداد الأسمدة العضوية لتحسين خواص التربة والاستفادة منها كمصادر للعناصر الغذائية، استغلال المصادر الطبيعية المعدنية كصخر الفوسفات والمعادن الطبيعية الأخرى لتوفير احتياجات المحاصيل من المغذيات، الاهتمام بالأسمدة الحيوانية كوسيلة لتوفير وتيسير العناصر الغذائية في التربة، الاستفادة من المصادر الطبيعية كالجبس الزراعي والكبريت لتحسين خواص التربة الطبيعية والكيميائية، عدم استخدام المصادر الحيوانية في تغذية حيوانات اللبن واللحم وكذلك إنتاج الدواجن، عدم استخدام المنشطات والهرمونات ، مراقبة المنتجات وهذا يستلزم وضع سجلات للمنتجات عند تسويقها إلى أسواق الجملة على أن تتم المراقبة بأخذ عينات للتحليل للتأكد من خلوها من المبيدات للاهتمام بالمراعي والأعلاف، لتجنب خطورة استخدام المبيدات والكيماويات الزراعية على صحة الحيوان والإنسان.
وحول ميزات الزراعة العضوية، قال بأن المنتج الزراعي منها  ذو جودة عالية وأقل تلوثاً وغني بالبروتينات والفيتامينات والسكريات والحديد والفسفور والكالسيوم، كما يتميز بالطعم الطبيعي والرائحة المميزة والخواص الآمنة، ويزيد سعر المنتجات العضوية ثلاثة أضعاف بالمقارنة بالمنتجات التقليدية.
تتميز المواد الغذائية الناتجة عن الإنتاج العضوي بما يلي: أطيب في الطعم، عناصرها الغذائية متزنة وأقرب إلى الطبيعية، خالية من المواد السامة والضارة والناجمة عن تراكم المبيدات والأيونات الحرة، كما أن عمليات إنتاجها وتصنيعها تتم بطرق لا تضر بالبيئة.

المكافحة المتكاملة
وتطرق إلى آلية  المكافحة المتكاملة للآفات من خلال الاستخدام المتنوع لطرق المكافحة بأنواعها، كما تعرف طبقاً لمنظمة الزراعة والغذاء ( (FAO 1967، على أنه نظام لإدارة الآفة يكون مقروناً بالبيئة المصاحبة وعشيرة الآفة، وتوظف فيه كل التقنيات المناسبة بطريقة متوازنة بقدر الإمكان لإبقاء مستويات عشائر الآفة دون مستويات الضرر الاقتصادي. وتطبيقات المكافحة المتكاملة لا تعني بالضرورة إدخال المبيدات، وهذا لا ينقص من حق المبيدات في مكافحة الآفات عند الحاجة أو الضرورة إليها، وتقسم  طرق المكافحة التطبيقية المتكاملة إلى: المكافحة الميكانيكية، الزراعية، التشريعية، الحيوية والمكافحة الكيماوية، والاتجاهات الحديثة لمكافحة الآفات والحشرات مثل استخدام الجاذبات الجنسية (الفرمونات) وكذلك التعقيم الشمسي ومكافحة الحشائش. 
ولفت د. صالح  أن مصدر التغذية يؤثر على التربة بدرجة أكبر من النبات، وبالتالي فإن تراكم العناصر والملوثات في التربة يؤثر بالتالي على النبات حيث  تحتوي التربة الطبيعية الجيدة على ما يقارب من( 11طن) من الكائنات الدقيقة لكل ايكر، بينما تقل هذه الكمية إلى حوالي (طنين) في ترب المزارع التقليدية التي تستخدم الأسمدة والمبيدات الكيمائية. ويؤدي حدوث الخلل في التوازن الإحيائي بالتربة إلى خلل العلاقة بين النباتات والكائنات الدقيقة، وما يتبع ذلك من التأثير على الإنتاجية والجودة.
وأكد أنه في حال أتجه كل المزارعين إلى الزراعة العضوية، فإننا سنواجه خطر المجاعة موضحاً أن هذه المقولة ترتبط بالفكرة السائدة عن الزراعة العضوية في كونها لا تعتمد على الكيماويات (أسمدة ومبيدات)، وأن هذا غير ممكن في ظل الحاجة إلى الإنتاج المكثف. والحقيقة أن الزراعة العضوية هي النظام الذي سيحافظ على خصوبة التربة وبقائها وكائناتها الدقيقة، بما يضمن استمرارية الإنتاج لفترات أطول مقارنة بالتدهور السريع الذي يحصل للتربة التقليدية.
وأشار إلى وجود عدد كبير من المزارع العضوية في دول كثيرة ولديها إنتاج يماثل إنتاج المزارع التقليدية ويفوقها في الجودة والقيمة الغذائية ويقل عنها في تكلفة الإنتاج.
مضيفاً أنه لا يوجد سماد بلدي بكميات كافية لتسميد المحاصيل للحصول على الغذاء الذي نحتاجه اليوم ولو اعتمدنا على الحيوانات في هذا الأمر، فإننا نحتاج مساحات شاسعة لتزرع بعلف للماشية، وبالتالي لا يتبقى مساحات تكفي لزراعة المحاصيل التي يحتاجها الإنسان في غذائه.

أمثلة على الزراعة العضوية
وقدم أمثلة على العمليات الزراعية وفق نمط الزراعة العضوية منها استخدام المخصبات العضوية كالسماد البلدي للأبقار والدواجن والسماد الأخضر وبقايا النباتات لتحسين خواص التربة الطبيعية والإنتاجية، إضافة إلى منع أو تقليل نمو الحشائش باستخدام أغطية التربة "مخلفات النبات مثل التبن ونشارة الخشب أو الأغطية الورقية أو الأغطية البلاستيكية التي يمكن استخدامها تجارياً لإنتاج الخضار والفاكهة"، حيث أنها تساعد على حفظ رطوبة التربة وخصوبتها ومنع المحصول من ملامسة الأرض والتعرض للتلف. ومن طرق مكافحة الحشائش الاهتمام باختبار الأصناف الملائمة للمنطقة، اختبار معدلات التقاوي المناسبة، إجراء الدورة الزراعية، حرق الأعشاب ، مكافحة الحشرات والآفات الزراعية باختيار الموعد المناسب للزراعة، حيث أن نشاط كثير من الحشرات والآفات مرتبط بالأحوال الجوية، وكذلك تطبيق الدورات الزراعية واستخدام الأصناف المقاومة وإتباع طرق المكافحة الحيوية.

أضرار الأسمدة الكيماوية
وتطرق إلى الأضرار الناتجة عن الاستعمال المكثف للأسمدة والمبيدات الكيمياوية منها إحداث أضرار صحية وبيئية واقتصادية على الكائنات الحية والوسط البيئي. فعند إضافة المبيد إلى التربة تحدث تحولات بيئية وبيولوجية بواسطة الكائنات الدقيقة في التربة تؤدي إلى تغير تركيبته وخصائصه مما قد يعرض الإنسان إلى أضرار صحية.
أما بالنسبة للأسمدة الكيمياوية ذات الاستخدام المكثف، فقد لوحظ أن مركبات الفسفور المستخدمة في الأسمدة تعدّ من أهم الملوثات في الماء، كما أن الاستخدام المكثف للأسمدة النيتروجينية، ينتج عنه زيادة نسبة النيترات في المياه الجوفية وتلويث المنتجات الورقية بصفة خاصة، مما يسبب للإنسان ضعفاً شديداً في نقل الأكسجين للدم، كما تتكون مركبات النيتروزامين التي تسبب أمراضاً سرطانية وأوراماً خبيثة، كما وجد أن الديوكسين Dioxin له علاقة بتثبيط جهاز المناعة والخصوبة وصعوبات التعلم. وثبت وجود علاقة له بالسرطان، ويوجد الديوكسين في بعض المبيدات الحشرية ومبيدات الأعشاب، كما وجدت علاقة بين مبيد الأعشاب Paraquat والمبيد الفطري Maneb مع مرض باركنسون Parkinson’s .

الزراعة العضوية في الأراضي الفلسطينية
وقدم نبذة تاريخية عن الزراعة العضوية في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث بدأت 1993م في أريحا وغزة. وفي عام 1998م نظمت جمعية المهندسين العرب دورات وورش عمل لتدريب المزارعين كما وقعت  الجمعية اتفاقيات مع مجموعة من المزارعين للزراعة العضوية لأكثر من (220) دونماً، بالتعاون مع مركز الزراعة العضوية بمصر الخارجية الإيطالية ومؤسسة RC الإيطالية.
وأوضح أنه خلال السنوات العشر الماضية، نفذت وزارة الزراعة وعدة جمعيات أهلية غير حكومية عدداً من الدورات التدريبية للمزارعين لتنفيذ نظام الزراعة العضوية، حيث زرعت عدة دونمات لم يستمر بها بعد انتهاء نشاط مشروع التدريب، وأن الأصناف التي زرعت في الضفة الغربية كانت  الكوسا والباذنجان والفلفل والخيار والبندورة  والفاصوليا واللوبيا و القرنبيط واللفت والفقوس .
وأشار أن استهلاك قطاع غزة من الأسمدة والمبيدات المستوردة بحوالي (3860 ) طن لعام 2001م بتكلفة مقدارها( 10.5 ) مليون دولار فيما قدرت كمية المبيدات المستعملة في قطاع غزة بحوالي ( 592) طن لعام  2001 م  بتكلفة ( 7.1 مليون دولار)، هذا الرقم تناقص من( 1235) طن لعام 1996م، لتناقص استيراد مثيل البروميد.

تحديات الزراعة العضوية في قطاع غزة
وتحدث عن تحديات الزراعة العضوية في قطاع غزة  التي أجملها في قلة الوعي بالزراعة العضوية، قلة المساحة الزراعية بالنسبة لتعداد السكان الأمر الذي يحد من تطبيق بعض مبادئ وأسس الزراعة العضوية، انخفاض إنتاجية محاصيل الزراعة العضوية بالمقارنة بالزراعة التقليدية المكثفة ما لا يواكب حاجة السكان من الغذاء، وارتفاع معدل النمو السكاني في قطاع غزة وتقليص الفجوة بين الاكتفاء الذاتي والاستيراد.  الأمر الذي يشجع المزارع على إتباع الزراعة التقليدية والمكثفة والابتعاد عن الزراعة العضوية، انخفاض كمية الإنتاج والأمن الغذائي، ظروف المناخ ونوع التربة الرملية تحد من نجاح الزراعة العضوية.
المنتجات الزراعية العضوية يمكن أن تواجه مشكلات عديدة في التسويق لانخفاض الصفات التسويقية من حيث الشكل والحجم وعدم وعي المستهلكين بقيمتها الحقيقية، التعرض للملوثات البيولوجية ووجود السموم الفطرية بمنتجاتها. حيث أن مبيدات الفطريات غير مسموح بها تماما،ً في أي مرحلة من إنتاج أو تصنيع الأغذية العضوية فقد ثار القلق حول تلوث تلك الأغذية بالسموم الفطرية (mycotoxins ) نتيجة العفن (mould ). إذا تم تناول جرعات صغيرة من الأفلاتكسين (Aflatoxins ) على فترات زمنية قد يؤدي إلى الإصابة بسرطان الكبد.
وتطرق إلى أهم  السلبيات المصاحبة للزراعة العضوية منها انخفاض الإنتاج، وبشكل عام يبلغ متوسط انخفاض الإنتاج بسبب الزراعة العضوية ۱٠- ۳٠ ٪ مقارنة بالزراعة التقليدية. هذا الانخفاض في الإنتاج أدى بدوره إلى بروز مشاكل أخرى كارتفاع أسعار المنتجات العضوية، فعلى سبيل المثال تتراوح الزيادة في أسعار محاصيل الحبوب والخضر المنتجة عضوياً عند مقارنتها بمثيلاتها المنتجة تقليديا بين ٧٥- ۳٠٠ ٪، وهي زيادة غير مستغربة، وذلك لتعويض الخسائر الناجمة عن انخفاض الإنتاج .
وقال د. صالح أن  المعارضين للزراعة العضوية يأخذون على المنظمات الدولية المعنية كونها تضع شروطا ومواصفات مشددة للغاية للانضمام إلى عضويتها، مما يقلل من الخيارات العملية المتاحة أمام المزارعين المنضوين تحت هذه المنظمات ويخفض الإنتاج الزراعي.

التفكير الجاد في الزراعة العضوية
وأكد د. صالح في سياق توصياته أن  قرار التحول إلى نظام الزراعة العضوية يتطلب التفكير الجاد من قبل كثير من المزارعين والشركات الزراعية، لتطبيقه بالشكل المناسب الذي يكفل الحصول على الإيجابيات ويتلافى السلبيات ويتصدي لكثير من التحديات، كما توجه إلى المزارعين والمؤسسات الحكومية والغير حكومية إلى إيجاد الحلول العملية لكثير من التحديات التي تواجه الزراعة العضوية في قطاع غزة، ومنها: شح  المساحة الزراعية وظروف المناخ الصحراوي، نوع التربة الرملية، ارتفاع نسبة النمو السكاني والحاجة لإنتاج الغذاء الزراعي، لتقليل الفجوة بين كمية الاستيراد من المواد الغذائية وكمية الناتج المحلي منها، وصعوبة تطبيق شروط الزراعة العضوية، الأمر الذي يستلزم وجود حلول خلاقة لمعالجة هذه المشاكل وغيرها، إعادة النظر في الطرق الزراعية المتبعة لدى كثير من المزارعين الذين يصرفون مبالغَ طائلة سنوياً لتسميد الأرض ومكافحة الآفات والحشائش - بطريقة غير مقننة - وفي سبيل زيادة كميات الإنتاج في حين أن هذا يؤدي مع تقدم الزمن إلى استنزاف خيرات الأرض وانتشار الآفات والحشائش بأعداد قد تصعب معها المكافحة، علاوة على ما يسببه الاستخدام غير الأمثل للمواد الكيمائية بأنواعها المختلفة من أضرار مباشرة وغير مباشرة على البيئة بصفة عامة، وعلى كل من الإنسان والغذاء والتربة ومصادر المياه بصفة خاصة .
وأكد في نهاية ورقته إن مفتاح تحسين الإنتاج الزراعي واستدامته يعتمد أساسا على الإدارة والخدمة المثلى لمصادر التربة والمياه، مع الإضافة المستمرة للمخلفات العضوية.

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية