October 2010 No (29)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تشرين اول 2010 العدد (29)
شهر آب هو الأكثر سخونة في فلسطين منذ ثمانين عاما نهب المياه الفلسطينية والأمن الاستراتيجي الوجودي لإسرائيل هل يمكن إعادة استعمال مياه الصرف الصحي بعد معالجتها... وتوفير المياه العذبة؟ الإحصاء الفلسطيني يصدر تقريراً إحصائياً حول مسح البيئة للقطاع التعليمي 2010 خبراء: الوطن العربي يفتقر إلى التحرك الجدي والمنسق لمواجهة آثار التغيرات المناخية دراسة: حالة أنهار العالم سيئة شذرات بيئيةو تنموية فلنفكر جيدا قبل أن نضع "المادة الخلوية المتفجرة" في أيدي أبنائنا ما هي الاعتبارات التي يجب أخذها في الحسبان قبل أن نقرر شراء منزل جديد؟ لولا "المي" اغنية لمدارس الفرندز المشويات زهرة من ارض بلادي عنب الحية (شربيط، عليق) البيئة في فكر مي زيادة (1) تنمية العادات الاستهلاكية الصحية والمنسجمة مع البيئة أهمية تطوير السياحة البيئية في دول مجلس التعاون الخليجي   غزة تئن تحت ضجيج ودخان مولدات الكهرباء  المقدسي محمد العسلي يعيد تدوير قطع المنزل ويبث الخضرة في حديقته المعلّقة تقرير البنك الدولي عن التنمية وتغير المناخ في العالم 2010
 

منبر البيئة والتنمية

 

نهب المياه الفلسطينية والأمن الاستراتيجي الوجودي لإسرائيل

 

نهب المياه الفلسطينية والأمن الاستراتيجي الوجودي لإسرائيل

 

جورج كرزم

في ظل المعاناة الكبيرة من شح المياه في الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967، والتي كثيرا ما تصل حد العطش في بعض المناطق الريفية النائية والمعزولة، وبخاصة في أشهر الصيف الحارقة، يجب ألا يغيب عن بالنا بأن إسرائيل تتعامل مع موارد المياه الفلسطينية باعتبارها مسألة أمنية استراتيجية وجودية من الدرجة الأولى.
ومن أبشع الوقائع الكولونيالية في فلسطين، رؤية 500 ألف مستعمر إسرائيلي في الضفة الغربية يتمتعون بوفرة غزيرة وغير محدودة من المياه. وفي المتوسط، يستهلك المستعمر الفرد نحو 9 – 10 مرات ما يستهلكه الفرد الفلسطيني.
وحسب مصادر هيئة المياه الإسرائيلية، يستخدم، حاليا، 4 ملايين فلسطيني في الضفة وقطاع غزة نحو 323 مليون متر مكعب سنويا من مصادرهم المائية، وذلك لتلبية الاحتياجات المنزلية والصناعية والزراعية. وفي المقابل، يستخدم نحو 6 ملايين إسرائيلي حوالي 2009 مليون متر مكعب من المياه سنويا. ويبلغ استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه 83 متراً مكعباً سنويا، مقابل نحو 400 متر مكعب للفرد الإسرائيلي (في إسرائيل). أي إن استهلاك الفرد للمياه في إسرائيل أعلى بنحو 4 – 5 مرات من استهلاك الفرد الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحصة الفرد الفلسطيني لا تتجاوز ربع المعدل الموصى به من قبل منظمة الصحة العالمية.
ومن الملاحظ، أن الوضع المائي الذي كان سائدا منذ ما قبل أسلو وحتى اليوم لم يتغير في الجوهر، بل إن الاتفاقيات ثبتت الوضع القائم قبل الاتفاقيات؛ إذ لا تزال إسرائيل تسيطر وتتحكم بشكل فعلي وكامل ومطلق بموارد المياه الفلسطينية واستخداماتها وإدارتها وتوزيعها.
ويدعي الاحتلال الإسرائيلي بأنه لا توجد أحواض مائية يمكن أن "يمنحها" للفلسطينيين.  إلا أنه من الملاحظ أن العديد من الآبار الزراعية قد أغلقت بسبب الجدار الكولونيالي، كما حدث، على سبيل المثال، في قلقيلية وطولكرم، فضلا عن آبار أخرى لا يستطيع أصحابها الوصول إليها.
والمسألة الجوهرية هنا، أن عملية النهب الإسرائيلي للمياه الجوفية في الضفة الغربية تتم من خلال ضخ نحو 55 مليون متر مكعب مياه سنويا، من الآبار المنتشرة في أنحاء مختلفة من الضفة، والتي يصل عددها إلى نحو 42 بئراً.  ويشكل هذا الضخ عملية النهب الصغرى.  أما عملية النهب الكبرى فتتم من خلال شبكة طويلة من الآبار حفرت خصيصا على امتداد الحوض الغربي الذي يعد أغنى الأحواض المائية الفلسطينية، ويمتد على طول حدود الضفة الغربية، ويزيد عددها على 500 بئر.  وتمتد ابتداء من منطقة سالم في جنين شمالا، وحتى جنوب قلقيلية.  وتعد هذه الآبار جزءا مما يسمى بالنظام القطري الإسرائيلي الذي يصل مختلف الخطوط المائية بعضها ببعض.  وقد تحدد مسار الجدار على طول هذا الحوض والآبار التي تمتص مياهه، تحديدا.  كما يتم نهب المياه من جبال الضفة الغربية وربطها بنفس الخطوط.  وتضخ مياه طبرية أيضا على هذه الخطوط الرئيسية. 
يضاف إلى ذلك،  نهب الإسرائيليين للمياه من آبار مرج بن عامر في الشمال، حيث يسيطرون سيطرة تامة على ذلك الحوض المائي. 


ولا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بحفر أي بئر في الحوض الغربي.  بل تسمح بالحفر فقط في الحوض الشرقي الذي يمتد من المناطق الجبلية وصولا إلى أريحا، ويحتاج حفر البئر في هذا الحوض إلى 600 – 700 متر، مما يعني تكلفة ضخمة، ناهيك أن جودة المياه في الحوض الشرقي متدنية، بالمقارنة مع تلك التي في الحوض الغربي. 
ومع إقامة الجدار، ضمت إسرائيل المستوطنات الواقعة فوق المناطق الغنية بالمياه إلى غرب الجدار.  وحيث أن هذه المناطق تحديدا تحوي أضخم احتياطي من المياه يمكن أن تعتمد عليه أي "دولة فلسطينية مستقبلية"، فإن سلخ هذه المناطق لصالح إسرائيل، يعني منع الفلسطينيين من تطوير مصادرهم المائية في الحوض الغربي، وبالتالي فإن مثل هذه الدولة ستكون دون مخزون استراتيجي من المياه. 
وهذا يؤكد ما قاله، في حينه، شمعون بيرس:  "إن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالحصول على أية قطرة ماء إضافية من المصادر المائية التي تسيطر عليها إسرائيل حاليا". 


إذن، يرتكز الجدار بالأساس إلى ضم أراضٍ واقعة في الحوض الغربي، مما يعني سيطرة الاحتلال سيطرة مطلقة على مصادر المياه في هذا الحوض، ومنع أي تأثير فلسطيني عليه.  لذا، فقد شلت أية عملية تطوير للقطاع الزراعي، وارتفعت كثيرا تكلفة ضخ المياه المستخدمة في الزراعة، وتعمقت تبعية الفلسطينيين المائية للإسرائيليين، ولم تزدد أو تتطور مساحة الأراضي المروية، علما بأنها لم تتجاوز 5% من مجمل الأراضي الصالحة للزراعة.  وهذا ما تسبب في هبوط عدد العائلات العاملة في الزراعة وتحولها إلى قوة عمل رخيصة في سوق العمل الإسرائيلية أو الفلسطينية، فارتفعت نسبة الأراضي البور.
ومن الملفت للنظر، أن إسرائيل لا تمتلك كميات كبيرة من الموارد المائية في نطاق حدود الأرض المحتلة عام 1948، وإنما تعتمد على مصادر مائية خارج هذه الحدود، وتحديدا في الضفة الغربية وحوض نهر الأردن ولبنان وسوريا.  ويقدر حجم المياه المنهوبة إسرائيليا من مصادر تقع خارج نطاق الأرض المحتلة عام 1948 بنحو 1103 مليون متر مكعب سنويا، منها حوالي 453 مليون متر مكعب من أحواض الضفة الغربية، والباقي، أي نحو 650 مليون متر مكعب، من حوض نهر الأردن.  وتعادل هذه الكميات ما يقارب 57% من مجمل الاستهلاك الإسرائيلي.
وحاليا تنهب إسرائيل نحو 80% (453 مليون متر مكعب سنويا) من المياه الجوفية في الضفة الغربية، لتغطية نحو 25% من استعمالات المياه في إسرائيل، تاركة 20% فقط (118 مليون متر مكعب سنويا) لتلبية جميع الاحتياجات المائية الفلسطينية.  وبالطبع، يحرم الفلسطينيون من حقهم في استخدام ثروتهم المائية المتمثلة في نهر الأردن والتي كانوا يستخدمونها جزئيا قبل حزيران عام 1967.

خلاصة واستنتاجات:
يعد الجدار العنصري عاملا مدمرا للأنظمة البيئية وللمعالم الطبيعية وللترابط بين المناطق المحمية وللقطاع الزراعي، وأداة لعزل عدد كبير من آبار المياه والينابيع الفلسطينية.  وليس الادعاء الإسرائيلي الأمني لإنشاء الجدار سوى ستار مضلل لإخفاء حقيقة الأهداف الجيوسياسية - الإستراتيجية الحقيقية المتمثلة أساسا في تخليد السيطرة على الموارد الطبيعية والمائية ونهبها.
وقد رُسِم مسار الجدار على مساحات شاسعة من الأراضي التي صودرت والتي تحوي، تحديدا، أكبر عدد من آبار المياه الجوفية وأفضلها جودة.  وذلك يعني مواصلة إسرائيل لعملية نهب كميات ضخمة من المياه الجوفية، في الوقت الذي لا يحصل فيه الفلسطينيون سوى على كمية قليلة من المياه ذات الجودة المتدنية.  كما ضم الجدار مساحات كبيرة من أخصب الأراضي الزراعية والغابات، ودمر بالتالي الطاقة الإنتاجية الكامنة للقطاع الزراعي الفلسطيني لصالح الإسرائيليين.
خلاصة القول، الجدار العنصري وما سببه من تجزئة أراضي الضفة الغربية إلى معازل منفصلة، وتكريسه نهب الموارد الطبيعية والمائية، يجعل من الحديث عن "تنمية اقتصادية وإنتاجية مستدامة" مجرد أوهام لا علاقة مادية لها بالواقع الكولونيالي الحقيقي.
 إن "استدامة" هذا الواقع الاستعماري البشع، يؤكد زيف شعاري "دولة فلسطينية مستقلة" و"دولتان لشعبين"، ليس فقط لأن هذين الشعارين، يعدان، تاريخيا، اختراع صهيوني (قبل قيام دولة إسرائيل)، وهما شعاران وهميان غير قابلين للتطبيق، في ظل غياب كامل لمقومات "الدولة" وللسيادة السياسية والجغرافية والبيئية على الأرض والموارد المائية والحدود غير المرسومة أصلا، والتحكم الإسرائيلي المطلق في حركة قوة العمل والسلع والصادرات والواردات ورأس المال، بل لأنهما يهدفان، كولونياليا، إلى تثبيت وتكريس الوجود الاستعماري الاستيطاني في فلسطين.  لذا، فإن مواصلة الادعاء بالعمل على تحقيق هذين الشعارين، يعد، فعليا، تواطؤاً لترسيخ المحمية الإسرائيلية (أي الضفة وغزة) التي يعمل الاحتلال بشكل منظم ومنهجي على تأصيلها وتخليدها، لتتحول إلى وجود بشري وبيئي مفتت وعدمي، لا يملك سوى الأراضي الجافة وغير الخصبة والمتصحرة، والمياه الشحيحة والملوثة أيضا من مياه  مجاري المستعمرات.

 

مع تأكيد دورها في تلويث المياه الجوفية وتسببها بأمراض مميتة
هل يمكن إعادة استعمال مياه الصرف الصحي بعد معالجتها... وتوفير المياه العذبة؟

 

حبيب معلوف / لبنان

كان العالم حتى نهاية القرن العشرين، لا ينشغل إلا بقضية تأمين المياه العذبة للناس، وما كان أحد يجسر على الظن أن يوما سيأتي ستصبح قضية المياه العذبة مرتبطة ارتباطا وثيقا بمياه «الصرف الصحي»، ان كان ذلك لناحية النوعية وتأثيرها على سلامة مياه الشرب، أو لناحية الكمية لاعتمادها بديلا عن المياه العذبة.   
لا نعرف بالتحديد من الذي ابتدع مفهوم "الصرف الصحي" للتعبير عن مشكلة معالجة المياه المبتذلة المنزلية. فهذه الآفة الحديثة نسبيا، ليست صحية أبدا، لا بل تسببت بأمراض خطيرة، ولا سيما عند الأطفال بعد ان اختلطت بشكل أو بآخر بالمياه العذبة. فتعبير "الصرف الصحي" يعتبر تعبيرا تجميليا لمسألة بشعة وكريهة جدا استجدت على الجنس البشري (ويا للمفارقة) عندما تحضّر، ولا سيما عندما انتقل إلى الحياة في المدن. وقد باتت اليوم قضية الصرف الصحي، قضية التلوث بالغائط أو بالفضلات التي تنجم عن الإنسان، قضية صحية واقتصادية بامتياز، امّا لناحية كلفة معالجة الأمراض التي تتسبب بها، أو لناحية كلفة معالجتها نفسها بما لا يقل عن دولار أميركي للمتر المكعب في اقل تقدير وللمعالجة الثانوية فقط.
كما تحصي المنظمات الدولية وفاة أكثر من مليون ونصف مليون ولد كل سنة في سن مبكرة بسبب إصابتهم بأمراض إسهالية من جراء تلوث المياه. بالإضافة إلى إصابة الملايين سنويا بآلام المعدة والتسمم وارتفاع درجات حرارة الجسم والحمّة والصفيرة. والتي تجعلهم يتغيبون عن المدارس بسبب تلوث المياه .   
قبل العام 2002 لم تكن البرامج العالمية تربط بين المياه النظيفة والصرف الصحي، وقد حددت الأمم المتحدة في العام 2000 أهداف الألفية للتنمية من دون ان تدرج قضية معالجة الصرف الصحي من ضمن أهدافها! وقد حصلت ضغوطات كثيرة في قمة الأرض الثانية التي عقدت في جوهانسبورغ العام 2002 حتى اتخذ قرار بإضافة هدف "ان تنخفض إلى النصف في العام 2015 نسبة الذين لا يحصلون على البنى التحتية اللازمة لمعالجة الصرف الصحي". إلا ان تقارير اليونيسيف نعت إمكانية الوصول إلى هذا الهدف، مقدرة ان يبقى ما يقارب ملياري شخص في العالم في هذا التاريخ من دون معالجة مياههم المبتذلة. وهذا ما دفع الأمم المتحدة إلى اعتبار سنة 2008 "سنة دولية للصرف الصحي". بعد ذلك أصبح من الصعب الفصل (في العالم) بين تأمين المياه العذبة للناس ومعالجة الصرف الصحي. إلا أن ذلك لم يترافق مع الدعوات لفتح تكنولوجيا المعالجة أمام الجميع، وتحقيق مطلب انتقال التكنولوجيا البيئية النظيفة من الدول المتقدمة إلى البلدان النامية. لا سيما ان عملية المعالجة بالتقنيات المتوافرة الآن، تعتبر مكلفة (دولار للمتر المكعب في اقل تقدير وبمستوى معالجة أولية أي بما يقارب 300 دولار أميركي للفرد سنويا). 
من هنا ضرورة انطلاق حملات في العالم (ولا سيما في البلدان النامية مثلنا) للمطالبة بإيجاد تقنيات بديلة بكلفة رمزية، وتشجيع استخدام بعض الزراعات وأنواع من الأشجار في بعض المناطق الزراعية التي تمتص هذه المياه وتعمق الدراسة بهذه الخيارات غير المكلفة، لا بل يمكن ان تؤمن مردودا اقتصاديا ما من خلال بيع أخشاب هذه الأشجار، بدل اللجوء دائما إلى المعامل والتكنولوجيات المكلفة والتي ينجم عنها وحول لا تخلو من مواد سامة، وتحتاج إلى معالجة وكلفة إضافية. فهل درس وجرب هذا الخيار في لبنان، ولا سيما في القرى الزراعية الصغيرة؟ وما هو واقع حال مياه "الصرف الصحي" في لبنان عامة؟


 واقع "الصرف" في لبنان
 تراوحت التقديرات لحجم المياه المبتذلة التي تنتج سنويا في لبنان بأكثر من 300 مليون متر مكعب. مع الإشارة إلى دراسة الميتاب العام 1998 والتي كانت قد قدرتها بما يقارب 249 مليون م3. كما قدرت دراسة دار الهندسة العام 1997 المياه الصناعية المبتذلة أو النفايات الصناعية السائلة الناجمة عن المصانع في لبنان بما يقارب 43 مليون متر مكعب في السنة. مع العلم ان هذه الكميات الضخمة من المياه المبتذلة تعتبر المسبب الأكبر للتربة والمياه الجوفية والأنهر والشواطئ ومياه البحر. 
يعتبر وضع الصرف الصحي في لبنان متراجعا جدا، وقد أُهملت هذه القضية طيلة فترة "إعادة الاعمار" والاهتمام بالبنية التحتية. فهناك غياب تام لمنشآت تكرير المياه المبتذلة قبل تصريفها في المحيط الطبيعي مع ان الدراسات حولها كانت قد بدأت منذ العام 1993. فهناك شبكات للصرف الصحي في بعض المناطق لتجميع المياه المبتذلة، ولكن يتم تصريفها بطريقة عشوائية ودون أية معالجة في الوديان والأنهر وعلى الشواطئ، وهذا ما يشكل مصدر تلوث كبير للبيئة وللثروة المائية السطحية والجوفية. كما ليس هناك أية شبكات في بعض المناطق ما يؤدي إلى النتيجة المشار إليها أعلاه بعد تصريف المياه المبتذلة في المحيط الطبيعي. بالإضافة إلى مشكلة التصريف عبر الجور غير الصحية أو عبر الآبار ذات القعر المفقود التي تعتبر من أخطر الآفات على الثروة المائية الجوفية في لبنان. بالإضافة إلى ذلك تم إنشاء محطات من دون وصلها بالشبكات وتشغيلها مما تسبب بأعطال فيها، بالإضافة إلى وجود شبكات من دون محطات. أما المحطات الصغيرة الممولة من صناديق دولية في المناطق فمعظمها متوقف ومتعثر، كما كان متوقعا، حيث لم تأخذ لا الجهات الممولة ولا السلطات المحلية والوزارات المعنية بالنصائح والتحذيرات من لا جدواها وعدم قدرة البلديات على إدارتها وتشغيلها.


خلاف على حجم المحطات ومواقعها
كما حصلت اختلافات عدة حول طرق إدارة الصرف الصحي في لبنان، ان كانت حول طرق المعالجة أو حول حجم المحطات ومواقعها أو حول الصلاحيات ومن يديرها (مجلس الإنماء والاعمار أو وزارة الطاقة والمياه أو وزارة الداخلية والبلديات).  لناحية حجم المحطات انقسمت الآراء بين من يطالب بمحطات كبيرة على الساحل، ومن يطالب بمحطات صغيرة في المناطق. حجة المطالبين باعتماد خيار المحطات الكبيرة أنها توفر في مساحات الأرض والاستملاكات، مقدرين ان المساحات الممكن توفيرها إذا ما اعتمد خيار محطات المعالجة الكبيرة بما يقارب 40 مليون متر مربع، بالإضافة إلى التوفير في كلفة التشغيل والصيانة. أما حجة المطالبين بمحطات صغيرة فهي تقوم على إمكانية الاستفادة من مياه المحطات فوق 300 متر للري (بدل ان تذهب في معظمها إلى البحر بعد معالجتها ثانويا كما هي الحال مع المحطات الكبيرة على الساحل)، ولأنها لا تنتج أوحالا بأحجام ضخمة، كما لا تتطلب طاقة كهربائية كبيرة مثل المحطات الكبيرة وتعتمد على تقنيات مختلفة عن تلك المعتمدة على التهوئة والترسيب والتخمير والتعقيم والضخ. 
ولعل الخلاف الأكبر وقع على محطة برج حمود المقترحة، والتي يفترض ان تخدم قسما من جبل لبنان ومدينة بيروت بقدرة 330 ألف متر مكعب في اليوم.  كما حصل تضارب في الآراء حول ما إذا كانت المحطات التي يفترض ان تعالج المياه المبتذلة المنزلية، هي نفسها ستعالج المياه المبتذلة الصناعية أو تلك التي تنجم عن معاصر زيت الزيتون (الزيبار) والمستشفيات...الخ. وبعد ان جزم الخبراء بعدم جواز ذلك، طُرحت أفكار بأن تقوم المصانع هي نفسها بمعالجة مخلفاتها السائلة وإعادة استعمال المياه في دورتها التصنيعية من دون ان تضاف إلى شبكات محطات معالجة الصرف الصحي المنزلي، أو ان تضاف لها بعد معالجتها .   


استعمالات المياه بعد معالجتها
بعيدا عن نوع التقنية المعتمدة لمعالجة مياه الصرف الصحي، يفترض ان ينتج مياه بالنتيجة بعد المعالجة. فهل دُرست الجدوى الاقتصادية من إمكانيات استخدام المياه المعالجة في الاستعمالات كافة (لا سيما زراعات الأشجار في الوسطيات والحدائق العامة)؟ وحول زيادة كلفة معالجة المياه المبتذلة إذا كانت ستستخدم للري (الزراعة) أو للقطاع السياحي. فهل هي أكثر من دولار للمتر المكعب؟   وهل هناك دراسات عن حجم التوفير من المياه العذبة إذا ما تم إعادة استخدام المياه المبتذلة بعد معالجتها في محطات أو مناطق معينة؟ مع احتساب الجدوى من حماية المياه الجوفية من التلوث؟  إن الكلفة المتعارف عليها عالمياً لتكرير المتر المكعب من المياه المبتذلة حتى الدرجة الثانوية هي بحدود دولار أميركي. لكن يمكن لهذه الكلفة أن تكون أكثر أو أقل وهذا يتوقف أساسا على درجة وطريقة معالجة الوحول في المحطة أو إذا كان تكرير المياه يطال أيضا إزالة النيترات والفوسفور.
أما إذا أردنا استخدام المياه بعد معالجتها في القطاع الزراعي فيمكن أن يزيد هذه الكلفة وهذا يتوقف على نوعية الزراعات المروية. فإذا كان ري المزروعات يستوجب عمليات تكرير لدرجة أكثر من الثانوية، فمن المؤكد أن تزيد الكلفة، ولا سيما إذا استعملت لري الخضار وغيرها من المزروعات التي يمكن أن تلامس ثمارها مياه الري . أما بالنسبة للأشجار والحشائش (GAZON) فإنه بالإمكان استعمال المياه المكررة ثانوياً للري. وبالنسبة للاستعمالات في القطاع السياحي، فبالامكان تطبيق القاعدة نفسها، أي ان الكلفة تتوقف على درجة التكرير المطلوبة .
مصدر مسؤول في مجلس الإنماء والاعمار أفاد بأن المجلس باشر بدراسة إمكانية استعمال المياه المكررة وذلك عبر عقد مع منظمة التغذية العالمية FAO تمهيدا لإعداد دراسة وطنية شاملة، كما هي الحال مع الدراسة الشاملة لموضوع إعادة استعمال الوحول المنجزة،  بانتظار إنجاز الدراسات المطلوبة التي كان يفترض ان تنجز منذ زمن بعيد، هل يمكننا ان نستنتج ما هو حجم التوفير في المياه العذبة إذا ما تم إعادة استخدام المياه المبتذلة المنزلية وتلك المستخدمة في الصناعة؟   وهل يمكن القيام بمقارنة بين كلفة معالجة المياه في الدرجة الثانية وكلفة بناء السدود السطحية على سبيل المثال؟   
يقول مسؤول الملف في مجلس الإنماء والاعمار يوسف كرم انه من الصعب حالياً استنتاج حجم الوفر في المياه العذبة إذا ما تم إعادة استخدام المياه المبتذلة المنزلية وتلك المستخدمة في الصناعة، والسبب أنه ليس بالإمكان بعد تحديد المرافق التي يمكن أن تستخدم المياه المكررة فيها دون أن يكون لذلك تأثير على الصحة العامة وعلى البيئة. لان موضوع إعادة استعمال المياه المكررة في القطاعات المختلفة موضوع دقيق جداً نظراً لتأثيرها على الصحة العامة   وعما إذا كان أوفر وأسلم ان يتم اعتماد خيار معالجة المياه المستعملة لحماية البيئة من خيار بناء السدود المكشوفة، يرى يوسف ان السدود معدة أساسا لاستعمالات مياه الشرب، وبالتالي فإن المياه المخزنة في بحيرات السدود تخضع لمعالجة مماثلة لتلك الموجودة عادة في محطات مياه الشرب مثل الضبية، طرابلس، كفرحلدا، .... ثم يتم توزيعها على المشتركين. وبالتالي يصعب إجراء المقارنة إذ ان استعمالات المياه ليست نفسها. 


المخطط التوجيهي
 أطلق مجلس الإنماء والاعمار، بالتعاون مع الوزارات المعنية، عدداً من الدراسات والمشاريع الهادفة إلى تجميع وتكرير المياه المبتذلة قبل تصريفها في المحيط الطبيعي، وأمّن التمويل اللازم لتنفيذ الأشغال وباشر بتلزيم بعض المشاريع آخذاً بعين الاعتبار تأمين الصيانة والتشغيل اللازمين لضمان حسن عمل هذه المنشآت بعد وضعها في الخدمة.
بعد تنفيذ البرنامج الوطني العاجل للإعمار وما نتج منه من مشاريع تهدف إلى تأهيل وتوسعة منشآت وتوزيع وتنقية مياه الشرب الموزعة على كل المناطق اللبنانية، باشر مجلس الإنماء والإعمار بإطلاق عدد من مشاريع تجميع وتكرير المياه المبتذلة وذلك ضمن خطة شاملة تستند إلى مخطط توجيهي تم إعداده خلال العام 1982 وتم تحديثه خلال العام 1994.  أما أسس ومبادئ هذه الخطة فهي ناتجة من طبيعة البلاد وتضاريسها وعن التوزع السكاني وخاصة وجود التجمعات السكنية المهمة على الساحل أو على السفوح الغربية لسلسلة الجبال الغربية. وقد خلص المخطط التوجيهي إلى وجوب إنشاء حوالى 12 محطة تكرير ساحلية وذلك لاستيعاب المياه المبتذلة الناتجة من المدن الرئيسية وعن التجمعات السكانية المحيطة بها، والتي يمكن جرّ أكثرية مياهها بالجاذبية. وهذه المحطات تقع في: العبدة، طرابلس، شكا، البترون، جبيل، كسروان، الدورة (شمال بيروت)، الغدير (جنوب بيروت)، ساحل الشوف، صيدا، صور مع إمكانية إنشاء محطة إضافية بين صيدا وصور. 
وبتنفيذ هذه المحطات الساحلية وشبكات الصرف الصحي العائدة لها، تكون مشكلة الصرف الصحي قد حلّت لأكثر من 65% من سكان لبنان المتوقعين للعام 2020 (بحسب رأي مجلس الإنماء والاعمار). 
بالإضافة إلى المحطات الساحلية، تم تحديد عدة محطات تقع في التجمعات السكنية الواقعة داخل البلاد نذكر منها زحلة، بعلبك والنبطية وجوارها وعدد من المحطات اللازمة لحماية بعض مصادر المياه من التلوّث ومنها نهر الليطاني. ومع إنشاء هذه المحطات الإضافية يكون تكرير المياه المبتذلة مؤمناً لأكثر من 80 بالمئة من السكان في العام 2020 وذلك بواسطة حوالى 20 محطة تكرير (بحسب المجلس أيضا).  أما المناطق الباقية التي تضمّ 20% من السكان فهي بحاجة إلى حوالى الـ 100 محطة لتكرير المياه المبتذلة الناتجة منها وهي محطات صغيرة الحجم بمعظمها يعود عددها الكبير نسبياً إلى التوزع الجغرافي للقرى والبلدات الواقعة في الداخل والى طبيعة تضاريسها.


مشكلة الوحول والكلفة
كل المشاريع التي يقوم بها مجلس الإنماء والاعمار تتحدث عن إمكانية معالجة 65% من المياه المبتذلة في لبنان حتى العام 2020، ولا سيما إذا نفذت المحطات الكبيرة على المدن الساحلية. إلا ان الوحول التي ستنجم عن المعالجة، لن تكون قليلة، والمقدرة بأكثر من 250 طنا في اليوم الواحد، أي بمعدل 63 غراما للشخص الواحد يوميا.
تحتوي هذه الوحول على كائنات مجهرية يمكن ان تنقل الأمراض، بالإضافة إلى ملوثات عضوية وغير عضوية يمكن ان تكون خطيرة أو سامة وتؤذي البيئة بحسب تقرير وزارة البيئة العام 2001. وقد لزم أكثر من دراسة لدرس خيارات وكيفية معالجة الوحول، وقد طرحت خيارات عدة، منها ان ينتج منها أتربة محسنة للتربة أو استعمالها في الزراعة والتاجيم (إنتاج شجيرات الغابات)، ضمن معايير محددة ولا سيما لاحتوائها على معادن ثقيلة، أو يتم طمرها في مطامر النفايات، أو يتم إنشاء محرقة مركزية لحرقها. ولم يتم حسم أي من الخيارات بعد، مع العلم ان لكل خيار مخاطره، ولا سيما الطمر الذي يمكن ان يتسبب بتلويث التربة والمياه الجوفية والحرق المكلف والذي يمكن ان ينبعث عنه غازات سامة.
تقدر كلفة معالجة المتر المكعب من المياه المبتذلة بدولار أميركي واحد في اقل تقدير وبمستوى معالجة أولية، أي بما يتراوح بين 200 و300 دولار أميركي للفرد سنويا. وهذا يعني ان كلفة معالجة مياه الصرف الصحي ستكون اكبر من فاتورة المياه العذبة التي يدفعها المواطن للاشتراك في متر المياه في السنة! وهناك اختلافات حول الجهة التي ستتحمل تلك الكلفة، أو على الأصح، حول الطريقة التي يدفع بها المواطن، سواءٌ أتت من الخزينة مباشرة أو عبر البلديات مع الصندوق البلدي المستقل أو مع فواتير مصالح المياه.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية