September 2010 No (28)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
ايلول2010 العدد (28)
 

حوارات ميدانية

"آفاق البيئة والتنمية" تفتح ملف الركام المستخدم في إعادة البناء بغزة
د.أبو هين: نقل الركام هو نشر للمواد المشعة في كل بيت تستخدم فيه
م.حمادة: خطر الإشعاع على الصحة تراكمي والركام ملوث بجميع متبقيات القنابل والذخائر
م. نعيم: السياسة كانت أقوى وتقرر إعادة استخدام الركام قبل التأكد من خلوه من الملوثات

سمر شاهين وماجدة البلبيسي / غزة
خاص بآفاق البيئة والتنمية

حذّر مختصون في الشأن البيئي من خطورة إعادة استخدام مخلفات ركام المباني، والتي تعرضت للقصف الإسرائيلي خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة في العام 2008، رغم مرور عام ونصف على انتهاء الحرب. وأرجعوا ذلك إلى اختلاط الركام بعناصر ملوثة وسامة قد تُلحق الضرر بمن يعمل بها، أو من يستخدم مواد البناء المصنعة منها.
ولكنهم عادوا وأكدوا في الحوار الميداني الذي أجرته معهم "مجلة آفاق البيئة والتنمية"، على ان إعادة استخدام ركام المباني المدمرة رغم خطورته يساهم بكسر الحصار- في ظل منع الاحتلال دخول مواد البناء اللازمة لإعادة الإعمار في غزة، مطالبين بإيفاد فرق دولية متخصصة لفحص الآثار التي نتجت عن الحرب في البيئة الفلسطينية  وذلك بصورة مستمرة.

نشر للمواد المشعة
بدوره حذر الأستاذ المساعد بقسم البيئة وعلوم الأرض في الجامعة الإسلامية د. زياد أبو هين، من أنّ إعادة استخدام ركام المباني المدمرة في الحرب الإسرائيلية على غزة ، يعني عملية نشر المواد المشعة في كل بيت بُني من هذا الركام.
وأضاف:" إن هذه العملية تعمل على نشر المواد المشعة في أماكن ربما لم تكن قد وصلتها أثناء الحرب، ونشر الجريمة بجريمة أكبر"، مؤكداً أنه لا يوجه الاتهام لأحد ولكن الجميع مطالب بتحمل مسؤولياته.
وأوضح إن ركام المباني هو نتيجة حرب طاحنة، استخدم فيها الاحتلال كمية ضخمة من الأسلحة التي تحتوي على عناصر مشعة، بدليل إجراء مسح كامل على كل المناطق التي قصفت، واكتشاف وجود نسبة عالية من المواد المشعة خاصة في المناطق المكشوفة، كما أُثبت وجود نسب مضاعفة من اليورانيوم في الحصمة والجرانيت في بعض المباني.
وأشار إلى أن ستة تقارير دولية تحدثت عن البيئة الفلسطينية، كان من أهمها التقرير الصادر عن المجموعة الإيطالية الذي يوضح أن معدل وجود هذه العناصر السامة زاد بعد الحرب، بمعدل 20-42 ضعف ما كان عليه قبل الحرب.
ولفت أبو هين أن التقرير أثبت وجود عناصر مثل: عنصر التنجستين السام للأجنة والمسبب لأمراض الجهاز العصبي، عنصر الكادميوم المسبب للسرطان، الملوبيديوم السام للحيوانات المنوية، الكوبلت الذي يؤثر على الحمض النووي ويحدث تغييرات في الجينات، كما يسبب تشوهات وطفرات جينية، بالإضافة إلى النيكل والمنجنيز والنحاس والزنك وتسببهم بمرض السرطان.

كارثة بيئية قادمة!!
وأضاف د. أبوهين بأن التقرير الإيطالي لم يجد آذاناً كافية من قبل المسؤولين في قطاع غزة، على غرار  تقرير غولدستون الذي لقي اهتماماً واسعاً وذلك لدواعٍ سياسية تفضلها الجهات الحكومية على الدواعي البيئية، مؤكداً أن قطاع غزة مقبل على كارثة بيئية وفق التقارير الدولية.
وطالب أبو هين الجهات المتخصصة بإرسال عينات من الركام والحصمة التي تُستخدم في مواد البناء، إلى مختبرات دولية ليتأكدوا من خلوها من العناصر المشعة، وقال: " إذا أُكّد وجود هذه العناصر السامة فيجب وقف عملية تكسير الركام فوراً".
ووجّه رسالة إلى أصحاب الشأن قال فيها :" إن الخطر لا يزال موجوداً، ولا يجوز أن نغمض أعيننا عنه، لذلك لا بد من تشكيل فريق متخصص يملك صلاحيات البحث، ليكشف الخطر الذي يهدد حياة السكان ليس الآن فحسب بل للسنين القادمة".

خطر قادم
بدوره أشار المهندس ماجد حمادة من مركز العمل التنموي (معا) -والذي يعكف على إعداد دراسة حول خطورة استخدام ركام المنازل المدمرة في إعادة الاعمار- إلى أن مليون كغم من القنابل والصواريخ والمتفجرات، تم إلقاؤها من قبل الطائرات الإسرائيلية على أرض القطاع ضمن 2500 غارة جوية خلال الحرب الأخيرة، شارك فيها نصف سلاح الجو الإسرائيلي وذلك وفقا لمصادر من القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي. وأشارت هذه المصادر إلى أن هذه الكميات الهائلة من المتفجرات لا تشمل ما أطلقته المدفعية والدبابات وألوية المشاة البرية والمدمرات وسفن الصواريخ في سلاح البحرية الإسرائيلي، مما يعني أن حجم ما ألقي من متفجرات على غزة ربما يفوق عدة ملايين من الكيلوغرامات، كثير منها -كما تشير التقارير- أسلحة غير تقليدية مثل القنابل الفسفورية والدايم، وربما بعض القنابل ذات الرؤوس النووية التكتيكية الصغيرة المشبعة باليورانيوم.
وأشار م. حمادة إلى ان عملية تصنيع الطوب حاليا تمرً بسلسلة شاقة وطويلة، تبدأ بجمع كتل الخرسانة وبقايا الطوب من المباني المدمرة أو من على قارعات الطرقات الترابية، بعد تحطيمها بالمعاول وتحويلها إلى قطع صغيرة ليسهل حملها على الشاحنات أو العربات الصغيرة، أو تلك التي تجرها الحمير والبغال لنقلها إلى معامل صناعة الطوب.
وأكد على ان هذا البديل- لإعادة الاعمار- يواجه تحذيراتٍ تتعلق ببقاء بعض العناصر الخطيرة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي في أسلحته خلال الحرب، عالقةً بمكونات طوب البناء المستخدم.
وشدد على أن مخلفات ركام المباني البالغة 1.5 مليون طن، ملوثة بجميع متبقيات القنابل والذخائر، كالمعادن الثقيلة واليورانيوم المنضب والدايم، موضحاً أن هذا الكم الضخم من الركام يشكل خطراً على البيئة بمجمل عناصرها. وان الأثر الصحي له، لا يمكن ان يزول بطول المدة الزمنية، كما ان خطر الإشعاع على الصحة هو خطر تراكمي .

مشكلة بيئية!!
ودعا م. حمادة المؤسسات المحلية والدولية التي تعمل في مجال البيئة، إلى ضرورة التعامل مع هذه المشكلة كمشكلة بيئية، وإرسال طواقم مهنية لأخذ العينات وعمل الفحوصات والتحاليل اللازمة لجميع مرافق الحياة  كالهواء، الماء، التربة، الإنسان...الخ،  للوقوف على حجم الكارثة  البيئية التي أحلّت بقطاع غزة إبان الحرب الأخيرة.  وما زالت إسرائيل حتى اليوم تقوم بإلقاء القنابل والصواريخ على قطاع غزة، ومما يثير الشك في الموضوع هو إلقاء العديد من القذائف على المناطق المفتوحة والخالية.  وسأل م. حمادة: " لماذا  تلقي إسرائيل القذائف في المناطق المفتوحة؟  الجواب مفتوح للخبراء والمختصين وخاصة بعد عمل التحاليل اللازمة وسؤال بعض المزارعين والمربين عن الإنتاج المحلي".
وشدد م. حمادة على ان المناطق التي تصاب بالمواد المشعة لا يمكن معالجتها ويبقى لها نشاط إشعاعي يستمر إلى ملايين السنين، مشيرا إلى انه عندما يتعرض اى كائن حي إلى الإشعاعات النووية، يحدث تأينٌ للذرات المكونة لجزيئات الجسم البشرى، ما يؤدى إلى دمار هذه الأنسجة وتهديد حياة الإنسان بالخطر. وتعتمد درجة الخطورة الناتجة عن هذه الإشعاعات على عدة عوامل منها: نوعها، كمية الطاقة الناتجة منها وزمن التعرض لها.

آثار حدثت
وأشار م. حمادة إلى أن لهذه الإشعاعات أثرين بيولوجيين، الأثر الأول: جسدي ويظهر غالبا على الإنسان حيث يصاب ببعض الأمراض الخطيرة مثل سرطان الجلد والدم وإصابة العيون بالمياه البيضاء ونقص القدرة على الإخصاب، فيما يتمثل الأثر الثاني على الجين الوراثي، حيث تظهر آثاره على الأجيال المتعاقبة.
ودللت الدراسة على صحة معلوماتها، من خلال تصريحات لوزارة الصحة الفلسطينية في غزة، أشارت إلى  أن الحرب الأخيرة على القطاع، أظهرت العديد من التشوهات غير المسبوقة والحالات المرضية غير المعهودة قبل الحرب،  كما بينت ان عشرات التشوهات في الأجنة ظهرت عقب الحرب لاسيما  تشوه خلقي يصيب القلب.
وبينت الدراسة ان ارتفاع مؤشرات التشوهات ناتج عن استخدام أسلحة محرمة دولياً كالفسفور الأبيض، لافتة إلى ان الأسلحة لم تؤثر فقط على الأطفال والأجنة، وإنما على الحيوانات المنوية لدى الرجال.
وعزت ذلك إلى تأكيد العديد من الأطباء، إلى تسبب تلك الإشعاعات بموت الحيوانات المنوية لدى الرجال، أو حدوث تشوهات فيها، ما يسبب حالة من العقم لدى العديد من الرجال.
وأشارت وزارة الصحة بحسب الدراسة إلى انتشار الـ S.D.H ، أي خلع مفصل الحوض بسبب تغيرات وراثية زائدة وكبيرة، حيث سجل عدد المصابين بخلعٍ في عظام الحوض خلال عام 2009، حوالى132 حالة وهي نسبة كبيرة جدا مقارنة بعام 2008 والتي بلغت 72 حالة.
وعن أكثر المناطق إصابة بالأمراض، أشارت الدراسة إلى أنها تتركز في المناطق الحدودية والتي سجلت حالات تشوه وسرطانات، مثل مناطق جحر الديك، وادي غزة، السموني، الدحدوح، شرق الزيتون، محطة أبوجبة، العطاطرة، عزبة عبد ربه والشمال.

نسب مرتفعة من المواد المشعة
ومن ناحيته قال المهندس عوني نعيم مدير عام حماية البيئة: "بعد مرور عشرين شهراً على الحرب الإسرائيلية الشرسة على قطاع غزة والتي طالت البشر والحجر، عانى القطاع على جميع الأصعدة، حيث قُتل الإنسان وشُردت العائلات ودُمرت المؤسسات وهُدمت البيوت وخُربت المساجد وجُرفت المزارع واقتُلعت الأشجار.  فكانت حرباً إجرامية بامتياز، انطبقت عليها كافة مواصفات حروب الإبادة الجماعية".
وأوضح المهندس نعيم أن الحصار والتواطؤ العربي والدولي مع الاحتلال، حالا دون إجراء الفحوصات في قطاع غزة، للتأكد من آثار استخدام الأسلحة المحرمة دولياً كاليورانيوم المستنفذ في الحرب. في الوقت الذي لا ينكر أحد استخدام الاحتلال لأطنان من شتى أنواع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، المحرمة دولياً وغير المحرمة، في قصف متواصل على قطاع غزة خلال 23 يوماً.
وتابع نعيم:" ركام المباني المدمرة وكما أكدت العديد من التقارير المحلية والدولية الأولية يعتبر ملوثا بجميع متبقيات القذائف والقنابل والذخائر، وهذا يعني احتواءه وخاصة في المواقع التي تم قصفها على نسب عالية من المواد المشعة مثل اليورانيوم المستنفذ الذي ينبعث منه جسيمات ألفا التي تدخل إلى الجسم عن طريق الجهاز التنفسي والدم، وتتسبب في الإصابة بأمراض اللوكيميا أو سرطان الدم في الصغار بنسبة أعلى من الكبار. وجسيمات بيتا تخترق الجسم وتتلف الأنسجة الحية؛ مما يؤدي إلى حدوث تشوهات في الأجنة. ولهذه الأشعة تأثير مباشر على الخلايا الحية وخاصة الخلايا الجنسية؛ إذ أنها تتسبب في اضطرابات بعملية التكاثر.
كما يحتوي الركام على عناصر ثقيلة مسرطِنة كالكادميوم والزنك والزئبق تؤدي إلى الإصابة بالإمراض السرطانية المختلفة. وبصورة عامة واستناداً لإحصائيات وزارة الصحة والعديد من المؤسسات الحقوقية والصحية، فقد سجلت زيادة في حالات أجنة وولادات مشوهة، وتصاعد حالات الإجهاض والعقم.
التقارير الدولية تؤكد
أما عن الآثار البيئية الناجمة عن عملية تدوير الركام، أكد نعيم بأنها لا تقل خطورة عن الآثار الصحية؛ فجميع التقارير الصادرة عن جهات دولية أكدت على تلوث التربة بالمواد التي حوتها الأسلحة المستخدمة من قبل قوات الاحتلال أثناء العدوان على غزة، واحتمال شبه مؤكد لإمكانية تلوث المياه الجوفية. ولفت إلى أن إعادة استخدام وتدوير ركام البيوت والمؤسسات التي قصفت، كما هي دون معالجة، يعني الاحتفاظ بتلك المواد الملوثة لتنتشر في الهواء وتلوثه، وإعادة استخدام الركام أو التربة الملوثة يعني نقل هذه المواد إلى أماكن أخرى غير ملوثة، وبالتالي زيادة احتمالية تلوث عناصر البيئة من مياه وهواء.

وقال: " إذا سلمنا بالأمر الواقع وبأن الوضع الفلسطيني والحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة يدفعان باتجاه البحث عن بدائل لمواد البناء والتي منها ركام مخلفات الحرب، فيتطلب الأمر، إجراء الخطوة الاستباقية الأولى، وهي التأكد من عدم احتواء هذا الركام على مواد أو عناصر ضارة بالصحة أو البيئة".


درء المفسدة
وتابع:" عدم توفر الإمكانيات، لا يسمح لأي كان بالجزم بأن تدوير الركام للبناء هو جلب منفعة وكفى. ويجب الالتزام بالقاعدة الشرعية والتي نصها "درء المفسدة أولى من جلب المنفعة". وما قيل ويقال بأن التلوث محصور في بؤر محددة غير دقيق؛ إذ أن إعادة استخدام الركام يؤدي إلى نشر التلوث ليشمل مناطق جديدة وواسعة. وهذا يعني زيادة احتمال نشر الآثار السلبية على رقعة أوسع من الأرض، وبالتالي زيادة معدل الإصابة بالأمراض في فئات المجتمع المختلفة".


السياسة أقوى
وأشار إلى أن المعطيات والمؤشرات السالفة الذكر، دفعت عدداً كبيراً من الخبراء والمختصين والغيورين على الوطن للتعبير عن رأيهم، ورفع صوتهم في معارضة إعادة استخدام الركام من مخلفات الحرب دون إجراء الفحوصات اللازمة، والتأكد من خلوها من أي مواد أو عناصر قد تضر بالمواطن الفلسطيني، ولكن بما أن الظروف كانت أقوى، تقرر إعادة استخدام الركام قبل التأكد من خلوه من الملوثات.
وقال نعيم: " كان من الأحرى التركيز على جلب الأجهزة والخبراء البيئيين للمساعدة في تحديد حجم الخطر وطبيعته، وذلك إيمانا بأن فساد البيئة هو إضرار بالمجتمع يلحق مشاكلاً صحية يصعب تحديد مدى خطورتها وانعكاسها على الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية