أكبر بحث عالمي حول آثار الأشعة الخلوية يثير عناوين مخيفة وضبابية
ارتفاع خطر الإصابة بسرطان الدماغ بنسبة 40% لدى المدمنين على استخدام الهاتف الخلوي
احتمال اإصابة مستخدمي الخلوي من الوزن الثقيل أكبر بمرتين من المستخدمين النادرين
البحث مُوِّل جزئيا من شركات الخلوي
ج. ك.
خاص بآفاق البيئة والتنمية
رُفِع مؤخرا، في مختلف أنحاء العالم، الحظر الذي كان مفروضا على نشر نتائج بحث "الإنترفون" الخاص بالأشعة الخلوية؛ حيث تعرض الجمهور إلى هجمة من العناوين الصحفية المخيفة والضبابية المثيرة للبلبلة. فمن ناحية، قال البيان الختامي للباحثين الذين عملوا على البحث إنه لا وجود لأدلة تؤكد زيادة خطر الإصابة بالأورام الخبيثة في الدماغ، بسبب استعمال الهاتف الخلوي. ومن الناحية الأخرى، قيل في البيان ذاته إن ارتفاعا بنسبة 40% في خطر الإصابة بالسرطان وجد لدى الذين يستخدمون الهاتف الخلوي بكثرة.
والمفارقة أن الباحثين أنفسهم أثاروا شكوكا كبيرة حول مدى جدية التعامل مع هذه النتائج المقلقة. وحسب أولئك الباحثين؛ فإن "التحويرات والأخطاء القياسية تحد من النتائج التي يمكننا استنتاجها من البحث؛ كما أنها تحول دون التوصل إلى علاقة سببية".
ولم تكن إثارة هذه البلبلة مصادفة؛ إذ إنها تعكس الزوبعة التي دارت من وراء كواليس أكبر وأهم بحث جرى حتى الآن حول آثار الأشعة الخلوية، علما بأنه استمر أكثر من عشر سنوات وبلغت تكلفته نحو عشرين مليون يورو، وأداره ثمانية عشر عالما بارزا من ثلاث عشرة دولة. وظهرت نتائج البحث الأولية منذ نحو خمس سنوات، وشملت مقابلات مع 5117 فردا أصيبوا بسرطان الدماغ. ومنذئذ، عكف الباحثون على تحليل ونقاش ماراثوني للمعطيات. وفي نهاية "حرب الباحثين" تم التوصل إلى تسوية تمثلت في البيان الختامي الذي سمح بنشره؛ وهو نص متعرج مليء بالتناقضات، لدرجة يصعب فيها تحليله من قبل غير المختصين بعلم الأوبئة.
وبحسب الدكتور لويس سلسين محرر موقع الإتنرنت المتخصص Microwave news الذي دأب منذ بضع سنوات على توفير تغطيات حول الأشعة غير المؤينة، ومتابعة مناوشات ما وراء الكواليس الدائرة بين علماء الإنترفون – بحسب سلسين، انقسم الباحثون إلى فريقين: أولهما يعتقد أن المعطيات المقلقة للبحث صحيحة ويجب بالتالي إبرازها. وثانيهما يؤيد تفسيرا متحفظا للنتائج ومشككا بها. وبينما حظي موقف المجموعة الثانية بتأييد الأغلبية؛ الأمر الذي انعكس في صيغة النص النهائي، فقد حُشِرَ في الزاوية موقف المجموعة الأولى التي رأت في نتائج البحث مجموعة من إشارات الإنذار؛ بل يمكن القول إنه أُخْفِي تماما، بحيث لا يستطيع الجمهور الواسع بلوغه.
وعلى سبيل المثال، تم الكشف عن ملحق رقم 2 التابع للبحث ذاته، والذي أثارت بعض المعطيات فيه قلقا كبيرا. ويشكل هذا الملحق مجموعة من الجداول التي تعرض مقاطع إحصائية مختلفة استُخْرِجَت استنادا إلى معطيات البحث. ويتضمن أحد الجداول مقارنة بين مستخدمي الخلوي من الوزن الثقيل (أي أكثر من نصف ساعة يوميا) والمستخدمين من الوزن الخفيف جدا (أي بضع دقائق شهريا). وكانت النتيجة مروعة: احتمال إصابة مستخدمي الوزن الثقيل بسرطان الدماغ أكبر بمرتين (أكبر بـ 2.18).
كما بين البحث أن احتمال إصابة المستخدمين من الوزن الثقيل بالسرطان، وتحديدا في الجهة التي يضعون عليها الجهاز بالعادة، تكاد تكون مضاعفة (أكثر بـ 96%).
وقد رأى بعض الباحثين أن هذه المعطيات صحيحة وحرجة؛ ويجب بالتالي إظهارها بعناوين بارزة في البحث. بينما تشبث الآخرون برأي آخر؛ فركلوا بالملحق رقم 2 ومعطياته إلى خارج مدى رؤية الجمهور، بل وإلى خارج التقرير الأكاديمي الرسمي الذي نشر في أواخر شهر أيار في المجلة الدولية المختصة بعلم الأوبئة. ولا يستطيع أحد التدقيق في جداول الملحق رقم 2 سوى من يسعى للوصول إلى مجموعة منفصلة من الملاحق الواردة في موقع الإنترنت. ومن المثير أن وسائل الإعلام العالمية التي غطت بشكل موسع نتائج البحث؛ لم تتنبه إلى مجرد وجود الملحق (رقم 2).
ضغوط قوى كبرى
والسؤال المطروح: هل ما دار حول هذا البحث هو مجرد خلافات بحتة في وجهات النظر العلمية؛ أم إن قوى كبرى كانت تلعب هي أيضا في ذات الملعب؟
جهات عديدة أشارت، بشيء من الشك، إلى أن البحث مُوِّل جزئيا من قبل شركات الخلوي؛ علما بأن مثل هذا التمويل يعد مقبولا في الأوساط العلمية. كما يجب ألا ننسى بأن منظمة الصحة العالمية التي جرى البحث تحت رعايتها منحازة نحو الدول الأعضاء فيها؛ بمن في ذلك الدول التي يشكل إنتاج الأجهزة الخلوية فيها مكونا هاما في إجمالي إنتاجها القومي.
ويعتقد بعض العلماء بأن نتائج بحث "الإنترفون" عبارة عن مؤشرات، أو إشارات إنذار؛ وهي مجرد محطة بحثية. لذا، لا بد من إجراء مزيد من الأبحاث لتمكننا من الوصول إلى استنتاجات أكثر وضوحا.
عامل الزمن
والمسألة الأساسية هنا أن عامل الزمن يعد حاسما في مسألة التعرض للأمراض السرطانية؛ بمعنى، ما هي الفترة الزمنية التي استخدم فيها الناس الأجهزة الخلوية؟ وإجمالا؛ جميع العوامل التي ثبت أنها مسببة للسرطان، كالتدخين مثلا، تحتاج إلى فترة "حضانة" لا تقل عن عشر سنوات؛ كي تأخذ العمليات البيولوجية مجراها.
وقد نسأل: لماذا، في مرحلة معينة، أصبح سرطان الرئة منتشرا جدا (بالمقارنة مع سرطان الدماغ)؟ الجواب: لأنه في مرحلة ما أصبح العديد من المدخنين يدخنون كالمجانين، علما بأنه قبل ذلك كان هذا المرض نادرا. وينسحب هذا الأمر على استخدام الخلوي. فإذا كنا نلاحظ الآن، وبعد عشر سنوات من استعمال الخلوي، ارتفاعا ملموسا في خطر الإصابة بالسرطان، فكيف سيكون الحال بعد ثلاثين سنة؟
وفي كل الأحوال، لا بد من الالتزام بمبدأ الحذر الوقائي، وبشكل خاص إبعاد جهاز الخلوي عن الجسم قدر الإمكان، والحديث بواسطة سماعة سلكية (وهذا يختلف تماما عن أل"بلو توث" التي لا تقلص الأشعة)، كما يمكننا استخدام السماعة عن بعد. ولا بد من الامتناع عن الحديث في الأماكن التي يكون الاستقبال فيها ضعيفا، كما في المصاعد أو القطارات أو المناطق البرية البعيدة عن الهوائيات. وبالطبع، يجب تقليل استعمال الأولاد للجهاز الخلوي، لأن حساسيتهم للأشعة أكبر بكثير من حساسية الكبار.
ومن المعروف أن فئة الأولاد هي الأكثر حساسية للإصابة بالأمراض السرطانية. لذا؛ يجب التشديد عليها كي تلتزم بالسلوك الوقائي.
وإذا ما أعطي الأولاد أجهزة خلوية؛ فيجب التشديد على أن يستخدموها، بشكل أساسي، للرسائل النصية. وفي المنزل، لا بد أن يطلب منهم استخدام الهاتف الأرضي (وليس الهاتف اللاسلكي الذي تنبعث منه الأشعة أيضا).
ومن الضروري التذكير بأن سرطان الدماغ ("غيليوما") مرض مميت؛ واحتمال عيش المصاب به لأكثر من سنة متدن. وبشكل عام، يصاب بهذا المرض الشباب نسبيا.
وفي الوقت الذي تركز فيه الأبحاث على سرطانات الدماغ؛ فقد يتبين في المستقبل بأن الأشعة بترددات الراديو تسبب هي أيضا السرطان. وسيكون لهذا الأمر انعكاسات خطيرة، وبخاصة لأن العديد من الأجهزة الإلكترونية المسيطرة علينا تنبعث منها هذه الموجات، مثل جهاز "الأَيْفون" وWI-FI وغيرها.
لفت نظري بأن هذا المشروع المشترك بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل لم يسمى
تطبيعا...بينما سمي مشروع الطاقة الذي سبقه تطبيعا...لماذا هذا التضليل وعدم
المصداقية؟
جاسر عسقلاوي |
|