July 2010 No (27)
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
تموز 2010 العدد (27)
 

السياحة العلاجية تنضم إلى قائمة ضحايا الاحتلال في الأغوار

رائد جمال موقدي
خاص بآفاق البيئة والتنمية

"حمامات عين المالح" اسم ارتبط لفترة ليست ببعيدة بالسياحة العلاجية نظرا لما تتمتع به المنطقة من تنوع حيوي فريد، حيث تضم تضاريسها الوديان والجبال والخرب الأثرية والأشجار الغورية الخضراء قاسية الجذوع؛ مما جعلها في الماضي قبلة للباحثين عن العلاج، ومقصداً للمتنزهين الباحثين عن روائح الزهور التي تعبق بها، أو عن ظل كثيف يتفيؤون به ويقضون وقتاً مرحاً بالشواء، إضافة إلى التقاط الزهور البرية والأعشاب الطبية واكتشاف الطبيعة. بموازاة ذلك كانت وما تزال تلك المنطقة هدفاً للاحتلال ومستوطنيه الذين سعوا إلى تدميرها خدمة لمصالحهم عبر دفع سكانها للهجرة بشتى الطرق والوسائل.


عمليات تشويه للينابيع بتوقيع إسرائيلي
فعلى بعد ثلاثة عشر كيلومترا شرقي محافظة طوباس، تتجسد حقيقة المأساة التي حلت  بمنطقة "حمامات عين المالح"، فقد سعى الاحتلال الإسرائيلي منذ احتلال الضفة الغربية عام 1967، إلى السيطرة على جميع مصادر المياه في غور الأردن من خلال تجفيفها ونقلها إلى المستوطنات القائمة عبر شبكات من الأنابيب والمضخات، أمّا حمامات عين المالح فقد تعرضت عام 1973م لعمليات تشويه عبر صب الإسمنت المسلح حول ينابيع المياه المعدنية الساخنة بعمق 20 مترا في محاولة لتخريبها والحد من تدفقها؛ مما أثّر سلباً على كميات المياه المتدفقة منها التي أخذت بالانحسار يوما بعد يوم، إلى أن فقدت أهميتها وطبيعتها الساخنة فتحول الوادي الذي كانت تجري فيه المياه المعدنية إلى وادٍ من المياه الشحيحة الملوثة التي تكاد تكفي السكان البدو المحيطين بالمنطقة، كما تحول الفندق العلاجي إلى بناية مهجورة تشكل مرتعاً للأغنام يرتادها عدد محدود من رعاة الأغنام، بحثا عن الظل في يوم حار من الصيف، مما أثر ذلك بشكل أساسي على طبيعة المنطقة برمتها، حيث هجرها معظم سكانها نتيجة انحسار كمية المياه هناك.


طبيعة خلاّبة في عداد الماضي
وبالعودة للماضي، فقد كانت حمامات عين المالح محط جذب المئات من الزوار والمستجمين؛ لما كانت تتمتع به من توفر الينابيع الساخنة التي تحتوي في تركيبتها على أنواع من المعادن العلاجية الفريدة، التي تساعد على الشفاء من الأمراض لا سيما الروماتيزم وآلام المفاصل.  وقد تركزت ينابيع العين في سفوح الجبال الصخرية المطلة على حمامات عين المالح المعروفة باسم نبع "عياد" ونبع "أيوب"، حيث يتدفق الماء الساخن المالح منها ليشق طريقه عبر سلسلة من الصخور يميل لونها إلى البني الباهت، يتخللها مجموعات من الصفوف الصخرية ذات الألوان المختلفة؛ ثم يكمل  الماء  طريقه تجاه الانحدارات السفلية إلى وادي حمامات المالح ليتلاقى هناك مع نبع من المياه الباردة العذبة المعروف باسم نبع "أم طيون"، حيث تسير المياه الحارة المالحة القادمة من أعلى، والباردة العذبة بخطين متوازيين عبر وديان وادي المالح، مشكّلة بذلك منظراً جمالياً أخاذاً يجسد إعجازا ربانيا على الأرض.
كما أنّ وجود طاحونة قمح على مجرى الوادي بنيت في عهد الدولة العثمانية، وتم توسعتها عام 1936، إضافةً إلى فندق علاجي على ضفاف الوادي، يدلل على قِدم المنطقة والأهمية التي كانت تحظى بها. وبحسب إفادات بعض الأهالي، فقد كانت المنطقة مأهولة بالسكان الريفيين الذين كانوا يستغلون كل شبر من الأرض هناك بمختلف الزراعات الحقلية التي تكفي حاجة المنطقة بأكملها، علاوة عن وجود أشكال مختلفة من الطيور المهاجرة والزواحف، مما يعطي الطابع الحقيقي لمدى التنوع الحيوي الذي شهدته المنطقة.
ولكنه اليوم أضحى مكاناً يلفه السكون المطبق والوحشة، فلا يزوره إلا عدد محدود من رعاة الأغنام، بحثا عما تبقى من مياه على أمل أن تروي أغنامهم العطشى.


  قتل الذكريات
قاسم حساسنة احد سكان المنطقة، تحدث بمرارة عن حجم الخسائر التي لحقت بالبدو الرحل والمزارعين نتيجة عدم توافر المياه، مؤكدا أن المنطقة كانت قديماً مأهولة بالسكان المزارعين، مما جعلها مصدر عطاء ودخل لعشرات العائلات وحتى لمدينة طوباس برمتها، ولكن بعد جفاف الينابيع وانخفاض معدلات الأمطار، يضيف حساسنة، تقلصت الزراعة بشكل ملحوظ وانخفضت مساحات المراعي بسبب مصادرة الاحتلال للأراضي مما دفع غالبية السكان إلى الرحيل. كما جعل الاحتلال المكان منطقة تدريب عسكرية إستراتيجية، عبر تحويل 70% من أراضي حمامات المالح إلى مناطق عسكرية مغلقة، فضلا عن معسكرات الجيش التي تنتشر في المكان وتؤثر على استقرار المنطقة.
وعبّر حساسنة عن مسقط رأسه بقوله: "أمّا الآن فقد هجرها أصحابها واختفت حقول القمح وينابيع الماء من المكان فتحولت الطاحونة إلى بناء قديم مهجور يبعث على الحزن والاكتئاب، وحلّ مكانها أصوات رصاص جيش الاحتلال التي تنطلق من معسكرات الجيش القريبة، مثل معسكر "ناحال"، و أصوات محركات مجنزرات الجيش الإسرائيلي التي تملأ المكان بالخوف".


 كارثة على التنوع الحيوي
الدكتور بنان الشيخ خبير التنوع الحيوي في جامعة القدس، يؤكد أن منطقة الحمامات المعدنية في طوباس تعد من المناطق الطبيعية المميزة في فلسطين، لأسباب عدة كونها أحد مواقع هجرة الطيور العابرة لفلسطين، ولوقوعها ضمن نظام مناخي البحر المتوسط والأغوار، مبينا أن تجفيف الينابيع كان له أثر سلبي جليّ على التنوع الحيوي، نتيجة هجرة قسم كبير من الطيور وموت عدد كبير من النباتات، التي كانت تعتمد على المياه العذبة، حيث انحسرت بنسبة 95%، هذا علاوة على جفاف التربة وارتفاع ملوحتها مما ينذر بكارثة على التنوع الحيوي في المنطقة.
وأشار الشيخ إلى حقيقة تدهور الوضع عاماً تلو عام، وخاصةً على الوضع المائي والحياة البشرية، الحيوانية والنباتية، ومؤشرات ذلك تظهر من تراجع نمو النباتات والحيوانات في المنطقة".


الطاحونة من رمز إلى أطلال
من جهته، يؤكد عارف ضراغمه، رئيس مشاريع البدو في وادي المالح، إلى أنهم يبذلون جهدا كبيرا لإعادة الاعتبار إلى المنطقة السياحية، من خلال ترميم طاحونة القمح لتبقى رمزاً للمنطقة، حيث حاولت البطركية اللاتينية التي تمتلك أكثر من 300 دونم في منطقة حمامات وادي المال ترميم الطاحونة والفندق العلاجي، لكنهم قوبلوا بالرفض من قبل الاحتلال الذي يواصل بناء معسكرات الجيش والثكنات العسكرية".
وطالب خالد عبد الرازق، مدير الآثار في محافظة طوباس، بتنمية حقيقية لقطاع السياحة البيئية، الأمر الذي يتأتى من خلال توفير شبكة طرق للأحراش والسفوح الشرقية والخرب الأثرية، كما أن العامل الأمني مهم أيضاً في هذه المنطقة التي تشهد إغلاقاً محكماً من قبل قوات الاحتلال .
وقال عقاب ناجي، رئيس بلدية طوباس "إن شرق طوباس يمكن أن تصبح منطقة جذب سياحي من الدرجة الأولى، لكن آفاق السياحة البيئية مغلقة تماماً بسبب الحواجز العسكرية التي تحيط بأكبر منطقة سياحية في الضفة، وهي المنطقة البرية شرق طوباس".

 

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية