البلدية: الشارع حيوي وضمن مخطط قديم ولا مجال للتراجع والأشجار يمكن نقلها!
المحامي الكهل عيسى قندح يصارع لأجل الإبقاء على زيتونه المُعمر في قلب رام الله
عبد الباسط خلف:
خاص بآفاق البيئة والتنمية
تبدو هيئة المحامي المواطن عيسى خليل قندح الذي شارف على الوصول إلى العقد العاشر، مسكونة بالحزن، فيما تدلل ملامح وجهه على الإنهاك. ومع ذلك يصر قندح على الاستناد إلى عكازه، وارتداء هندامه الرسمي وكوفيته السمراء، ليشرع كل يوم في جولة جديدة من نضاله للإبقاء على أشجار زيتونه المعمر على قيد الحياة.
يقول، وهو يحمل "كوشان" أرضه: القطعة رقم (4)، حوض إبراهيم، كانت مساحتها ثمانية دونمات ونصف، خربتها البلدية، وفتحوا فيها شوارع، لم يبق لنا غير ثلاثة دونمات. وبدهم يفتحوا شوارع عريضة أخرى فيها."
تعني عملية شق الطريق لقندح، وإقامة جدار استنادي، مسالة قاسية جديدة، إذ ستطال 17 زيتونة رومية معمرة، كانت تمثل بالنسبة له كل حياته، وعاش كما يروي قسماً كبيراً من طفولته تحت ظلالها.
إصرار
يتابع، وقد سعى جاهداً لتسلق أرضه قاسية التضاريس، بجوار تجريفات البلدية: "هون كنا نتريح، وكانت هاي الشجرة تساوي تنكتين زيت...بدهم يقلعوها من شروشها، مش عارف ليش."
يخوض قندح جبهة قانونية، فينشط في توجيه عرائض ولوائح اتهام للحفاظ على ما تبقى له من أرض، لكنه صُدم حينما طلب من بلدية رام الله مخططاً لأرضه، ليتمكن من تقديمه لقاضي الأمور المستعجلة لوقف عملية اقتلاع أشجاره، وأخبرته الدائرة المالية بأن عليه هو وإخوته سداد مبلغ 12829,070 ديناراً أردنياً، رسوم نفايات سكن، ومجاري سكن، وشق وتعبيد طرق! يقول: "بدهم يقلعوا الشجر ويوخذوا الأرض، ويطالبوني بدفع ثمن شق طرق".
وفق رواية قندح، فإنه اقنع اللجنة المركزية للتنظيم والبناء على وقف تخريب أرضه، في طرق لا لزوم لها، واقتلاع أشجار تاريخية؛ لأن هناك شوارع قريبة منه، وكلها استقطعت مساحات كبيرة من أملاكه.
جهود خضراء
تنشط بجوار المحامي ، الذي ولد في رام الله في الرابع من كانون الثاني 1921، مجموعة شباب العونة (ملتقى العروبة)، وهم متطوعون يمارسون مجهوداً كبيراً لاستصلاح الأرض، وزراعة المساحات الخالية والمهملة في رام الله، وبناء اقتصاد مُقاوم، في وجه التمويل الأجنبي الذي خرب كل شيء، وفق تقييمهم.
تقول الصحافية كفاح كيّال، وهي أسيرة سابقة، وناشطة في المجموعة: نعمل مع العم عيسى منذ سنتين، ونساعده في قطف الزيتون، وحراثة الأرض، وتقليم الشجر، وزرعنا مساحات من أرضه، ونقف بجانبه اليوم في صراعه مع البلدية. حتى أننا جلسنا وأكلنا المجدرة تحت الزيتون الذي اقتلعوه.
توجهت كيال إلى البلدية، وإلى المحافظة، وطرحت مسألة العم، ونبهت إلى خطورة اقتلاع أشجار معمرة ورمزية. وتلقت كما تفيد وعودا رسمية لوقف العمل والتخريب، لكن محافظة رام الله والبيرة تراجعت عن وعودها، وأبلغتها ورفاقها بأن العمل قانوني، ولا مجال لوقفه!
ثقافة تخريب
تضيف: هناك ثقافة تخريب تجري في البلد، واقتلاع أشجار العم مصيبة، فكيف ستعيش هذه الزيتونات بعد اجتثاثها، وليس صحيحاً ما تقوله البلدية إنه يمكن نقلها كي تزرع في مكان آخر.
توالي كفاح التي انتزع منها الاحتلال بطاقة هويتها، وحرمها من دخول مدينتها عكا: تعرضت حقولنا التي زرعناها في البيرة ورام الله مثل القمح والبازيلاء والفول للتدمير والحرق، ويبدو أن البعض ينزعج من نشاطنا في بناء اقتصاد مقاوم، والعودة إلى الأرض. وللأسف لا تقوم بلديات الاحتلال بما نقوم به من قلع لأشجارنا وتخلّ عن تراثنا. إنها الحرب على المساحات الخضراء لصالح شوارع عريضة لا تفيد في أي شيء.
توالي: لا نفهم كيف نقلع الشجر المعمر الذي يدلل على تاريخنا، ونزرع الأرصفة بأشجار لا دخل لها بتراثنا. أظن أن المسألة ليست عبثية، وهناك من يسهر عليها.
يقول قندح: سأقاضي البلدية على تخريب أرضي، وسأظل أدافع عن أشجاري. وسأواصل زراعة حديقة بيتي بكل شيء، وليت الجيل الجديد يتعلم كيف يحافظ على أرضه ويكتفي ذاتياً.
يضرب أخماساً بأسداس، ويتحسر على ثلاث شجرات اقتلعتها المعدات الثقيلة، ويبكي الأشجار المرشحة للخلع. يفيد: لم تبلغني البلدية بأنها ستقلع الزيتون إلا أثناء العمل.
ردود رسمية
وفق مدير عام الشؤون العامة في محافظة رام الله والبيرة، حمدان البرغوثي، فإن المواطن قندح ومجموعة أخرى تقدموا لنا بشكوى ضد البلدية. وتبين للمفتشين أن البلدية اقتلعت بعض أشجار الزيتون، وتريد اقتلاع المزيد. وبعد مراجعتها علمنا أن الشارع حيوي ومهم جداً، ومصادق عليه قانونياً، ولا نستطيع وقفه.
يقول مدير دائرة الخدمات في بلدية رام الله، جاد قندح: الشارع حيوي ومصدق عليه منذ عام 1967، ضمن أول مشروع تنظيمي، وصاحب الأرض مظلوم في الشجر، لكنا نريد تخفيف الأزمة من وسط المدينة.
يضيف: الزيتون تاريخي وعمره أكثر من 500 سنة، ونقله ليس سهلاً، لكننا عرفنا أنه يمكن زراعته في أمكنة أخرى، بشروط معينة.
يؤكد جاد، أن البلدية لا تمارس عملاً عشوائياً، فهي تفرض غرامات تبدأ بـ250 ديناراً وتنتهي بـ2500 دينار، على من يثبت تورطه في قطع أشجار دون تصريح. حتى الأشجار التي تبقى في حرم الشارع، ولا تضايقه، نبقي عليها، ولدينا في القانون مساحات خضراء نحرص عليها. مثلما قمنا في آخر ثلاث سنوات بزرع 11 ألف شجرة.
يفيد مسؤول قسم الزراعة في البلدية، صقر حناتشة: نمهل أي مواطن فرصة 60 يوماً لنقل الأشجار التي تقع ضمن مسار طريق عام قيد الإنشاء. وإذا لم ينقلها هو، تقوم البلدية بذلك، وتزرعها في أراض مناسبة. ويتابع: أثبتت التجارب أن شجار الزيتون يمكن نقلها من مكان إلى آخر، شريطة توافر الماء والأسمدة.
تُعلق سحر الطوباسي، رئيسة قسم الحسابات بالبلدية، على مطالبة المحامي قندح بدفع مبالغ كبيرة، قبل الحصول على مخطط لأرضه، بالقول: في نظامنا المحاسبي، فإن أي مواطن يتقدم بطلب الحصول على خدمة، نفتش عن ديونه. لأن الكثيرين لم يسددوا التزاماتهم. تضيف: إذا قدم المواطن اعتراضا على قرارنا، فسندرس المشكلة ونحلها.
يرى السائق علي عبد الستار: المصيبة أننا نخرب بيوتنا بأيدينا، ونُحب الاستيراد، وقد يأتي اليوم الذي نتمنى فيه مشاهدة شجرة خضراء في بلادنا؛ لأن أيدينا عدوانية. يكمل: لا نحتاج إلى شوارع بهذا الاتساع، فنحن لسنا في واشنطن.
وترى هبة صبري، وهي طالبة جامعية، أن الضرورات تبيح المحظورات، واقتلاع شجرة زيتون، أفضل من زرع أزمة سير في البلد، وهناك زيت ذرة في الأسواق وقت الحاجة!!
نحن اعتقدنا طيلة الوقت أن بلدية رام الله كانت السباقة في المحافظة على
المساحات الخضراء والأشجار في إطار مناطق نفوذها...بل إن رام الله برزت طيلة
العهود الماضية بخضارها وجنائنها ومنتزهاتها زأشجارها...فما بال بلديتها وقد
تنكرت لماضي المدينة البيئي المشرق وغيرت فجأة لون جلدها؟
ظافرة السيلاوي |
إذا كان أهل البلد يعمدون عن سبق عمد وإصرار إل اقتلاع أشجار الزيتون المعمرة
والمقدسة في تراثنا الفلسطيني، فلماذا نلوم الاحتلال على ذات الأفعال؟
عطا نصراوي |
هل ما تفعله بلدية رام الله من اقتلاع أشجار تراثية يدخل في سياق الدعاية
الانتخابية عشية الانتخابات البلدية التي أعلنت سلطة رام الله عن إجرائها؟
ناريمين بصراوي
|