باتت أعيادنا في الوقت الراهن متصلة بنزعات مادية، وتغيرت فيها قواعد الاستهلاك، فصارت الأعياد مناسبة للاستهلاك المبالغ فيه، وللإنفاق الزائد. يمكن إشراك الأطفال في صناعة الكعك، وإنتاج أشكال جديدة من الحلوى الخالية من السكر، وتشجيعهم على مقاطعة السكاكر الجاهزة، ونشاهد معهم برامج متلفزة ووثائقية عن أضرار السكر، والأصباغ، والألوان، والمواد الحافظة. تواكب هذه المقالة أضرار الإفراط في تناول السكر، وتقترح أنماطًا جديدة لأعياد أكثر صداقة للصحة والبيئة.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
ترتبط الأعياد أساسًا بقيم روحية، وتأتي بعد عبادتي الصوم والحج، لكنها في الوقت الراهن باتت متصلة بنزعات مادية، وتغيرت فيها قواعد الاستهلاك، فصارت الأعياد مناسبة للاستهلاك المبالغ فيه، وللإنفاق الزائد.
تسرد هذه المقالة أضرار الإفراط في تناول السكر، وتقترح أنماطًا جديدة لأعياد أكثر صداقة للصحة والبيئة.
"عدو" ناعم
تمضي فترة ما قبل العيد في القراءة عن السكر، وتطالع أبحاثًا عديدة حول تداعياته الصحية، فتقرأ في موقع البوابة المهتم بالصحة والجمال عن أضرار السكر، فيورد الموقع 8 أسباب لمقاطعة هذا المسحوق الأبيض، فتقول الإشارة الأولى: السكّر يجعل وجهك يبدو أكثر شيخوخة، فهو يثبط العديد من الهورمونات التي تفيد الجسد، كما يحفّز إطلاق "الشوادر الحرة" والتي تزيد من عمليّة الأكسدة والتعجيل من الشيخوخة، ويسبّب تغيّرات في الحامض النووي كذلك، ولذلك فإنّ الزيادة في السكر اليوم يعني التعجيل بالشيخوخة غدًا.
وتورد الفكرة الثانية: السكر مادّة عالية الإدمان، فهو يفوق الكوكايين 8 مرّات في تأثيره على الإنسان والرّغبة به وإدمانه، وهكذا فكلّما استخدمت السكر وزدت منه كلّما أصبحت تحتاج له بشكلٍ أكبر، حتّى تزداد كميّتك المستخدمة منه إلى حدٍّ خطر على الصحّة.
ويقدم التحذير الثالث: السكر واحد من عوامل زيادة الوزن، إذ يحوي سعرات حرارية كبيرة للغاية، ولذا يزيد من الوزن بشكلٍ حقيقي، ويتسبّب في السّمنة. ومن هنا، فإذا أردت ضبط وزنك فتجنّب السكر، وفي حال كنت تعاني النّحافة لا تعتمد عليه لزيادة وزنك نظرًا لأضراره الأخرى.
ويأتي الإنذار الرابع: السكر يجعلك متقلّب المزاج، فعندما يحوي أكلك نسب عالية من السكر ترتفع نسبته في الدم، ومع عمليّة الحرق تبدأ النسبة في الانخفاض. وبين الإرتفاع والإنخفاض، يتغيّر مزاجك بشكلٍ كبير، لذا لو وجدت أنّ "نظامك" يتغيّر أثناء اليوم فقلّل من كميّة السكّر التي تستخدمها.
وتلخص الفكرة الخامسة: السكر يزيد من شعورك بالجوع، وهذه الخاصيّة له تؤدّي كذلك لزيادة وزنك. فأكل السكّريّات يُشعرك بالجوع سريعًا، ممّا يؤدّي إلى زيادة أكلك وزيادة السّعرات الحراريّة ومن ثمّ زيادة في الوزن.
أما التنبيه السادس: السكّر يقلّل من فعاليّة الجهاز المناعي، فنجد المفرطين في تناول السكّر يعانون نزلات البرد والإنفلونزا بشكلٍ متكرّر، كما أنّ السكّر الزائد يقلّل من الرقم الهيدروجيني(pH ) ممّا يجعل الجسم بيئة مناسبة للسرطانات في كثيرٍ من الأحيان.
ويأتي التحذير السابع: الشعور بضبابية التفكير، فمع الزيادة في نسبة السكّر، فإنّ العقل يكون أبطأ في العمل ويشعر الشّخص بضبابيّة وبطء كبير في التّفكير.
وفي الإشارة الثامنة: السكّر خالٍ من الفيتامينات والأملاح، فلكلّ مادّة فوائد ومخاطر، ولكنّ السكّر مخاطره أكبر من فوائده، فهو لا يحوي أي أملاح أو فيتامينات تبرّر تحمّل أضراره الكثيرة، لذا فكلّما قلّت كمية السكّر المُستخدمة كلّما تحسّنت الصحّة.
تداعيات "الأبيض"
في دراسة ثانية أكد علماء النفس من جامعة أوتاغو في نيوزيلندا أن السكر يبطئ من الوظائف المعرفية، وأظهرت دراسة بأن المشاركين تأخروا في إجراء الاختبارات المعرفية بعد تناول السكر. ومن الجدير بالذكر أن المشاركين الذين أكلوا السكريات الطبيعية مثل الفركتوز أو السكرالوز أدوا الاختبار بشكل أفضل. وما يلفت الانتباه أن الأشخاص الذين كانوا جوعى قبل الوجبة الخفيفة أدوا الاختبار أفضل من غيرهم.
وأكدت العديد من الدراسات سابقًا أن الجلوكوز (في السكر الأبيض الاصطناعي) يؤثر على الوظائف المعرفية. فقد كان لهذه المادة تأثير إيجابي على الذاكرة بين الأشخاص من مختلف الأعمار، إلا أنهم لم ينجحوا في اختبار رد الفعل والانتباه والتعرف على الوجوه والذاكرة العاملة.
ودعا الباحثون 49 طالبًا جامعيًا لمقارنة تأثير الجلوكوز والفركتوز والسكرالوز، وتم تقسيم المشاركين إلى ثلاث مجموعات. وخضعت المجموعات لاختبارات القدرات المعرفية خلال 16 أسبوعًا. وكان على البعض الامتناع عن الطعام لمدة 10 ساعات قبل الاختبار.
وبعد مرور 16 أسبوعًا أعطى الباحثون الطلاب شرابًا يحتوي على الجلوكوز أو الفركتوز أو السكرالوز. وطرحوا عليهم الأسئلة ذاتها بعد 20 دقيقة.
وتم وضع الاختبار من أجل تحديد الانتباه الانتقائي والوظائف التنفيذية ومعالجة المعلومات. وتم قياس مستوى الجلوكوز لدى الطلاب باستخدام الجلوكمتر التقليدي.
وأظهرت نتائج الاختبار أن المشاركين الذين تناولوا الجلوكوز أجابوا على الأسئلة أبطأ بمقدار 0.9 ثانية.
ونشرت "ذي كوبنهاغن بوست" مقالًا لعلماء من جامعة كوبنهاغن الدنماركية، يؤكد أن الإفراط في تناول السكر يؤثر سلبًا على الأوعية الدموية، ما يؤدي إلى اضطراب عمل الأعضاء الداخلية للجسم.
وأجرى الخبراء دراسة شارك فيها رجال تناولوا 225 غراما من السكر يوميًا لمدة أسبوعين. ورصد الباحثون كمية تدفق الدم في الأطراف السفلى قبل وبعد الاختبار. وبينت النتائج أن كمية الدم المتدفق إلى الأطراف السفلى انخفض بنسبة 17% مع نهاية الاختبار مقارنة بكميته قبل بدء التجربة. وأكد العلماء أيضا انخفاض تدفق الدم إلى أعضاء الجسم الحيوية، مثل القلب والدماغ في نهاية البحث.
وقالت البروفيسور يلفا هيلستين إن "تناول نصف لتر من الكولا بين فترة وأخرى لن يضر بالصحة، إذا كان غذاء الشخص صحيًا ومتوازنًا، أما الإفراط في تناول السكر فسيؤدي إلى نتائج سلبية عواقبها وخيمة، لأن تدفق الدم في الأوعية الدموية سيتراجع جدا ويعطل عمل الأعضاء الحيوية".
تتنقل "كباحث" بين دراسات أخرى، تُجمع كلها على أضرار المسحوق الأبيض، الذي يغري المحتفلين بالأعياد، فيلازم طعامهم وشرابهم، ويرافق الحلوى التي يصنعونها في بيوتهم، أو يستهلكونها من الأسواق.
عيد "رشيق"
تقترح تجربة "العيد الرشيق"، وفيه نعد لائحة سوداء بقائمة ممنوعات نحظر دخولها إلى بيوتنا وإلى أجسامنا، فلا داعي في هذا العيد للسكر، وسنشرب القهوة السادة (المرة) فقط، ولن نتذوق العصير الصناعي، وسنقاطع الحلوى الجاهزة والبيتية، وسنحاصر المشروبات الغازية، وسنقدم الشاي والأعشاب الطبيعية في مساء العيد بلا سكر، وسنبتكر نمط صناعة كعك العيد دون سكر، فعجوة التمر الجاهزة لا مكان لها، وسنكتفي بطحن التمر الطبيعي وإزالة قشوره، ثم نتمرد على قواعد السكر الناعم والخشن، وسنوفر طبق فاكهة من نوعين لمن يرغب بطعم حلو المذاق، وسنعتذر من مضيفنا في جولات العيد عن تجريب حلوياتهم، وتجنبًا للحرج سنصطحب في جيوبنا كيس ورق لنتحرر من قطع الحلوى المقدمة لنا، وفي نهاية العيد نحتسب كمية السكر التي كنا سندخلها على معدتنا، ونقدر السعرات الحرارية التي تحررنا منها بالمجان.
يمكن إشراك الأطفال في صناعة الكعك، وإنتاج أشكال جديدة من الحلوى الخالية من السكر، وتشجيعهم على مقاطعة السكاكر الجاهزة، ونشاهد معهم برامج متلفزة ووثائقية عن أضرار السكر، والأصباغ، والألوان، والمواد الحافظة.
وحتى في الأعياد وسواها، بالمستطاع تشجيعهم على صناعة مسليات بديلة عن السكر، وتحضير عصائر طبيعية في المنزل، وتجهيز "الكوكتيل" دون الحاجة للبدائل الجاهزة الحافلة بالسكر.
كتجربة ذاتية، تسير نحو بداية العام الخامس في مقاطعة السكر، وقد وجدت العيد مناسبة مثالية لإطلاق هذا الإعلان. تكتفي في زياراتك بشرب الماء، أو حبه فاكهة، وتروج حيثما تجلس لنشر ثقافة مقاطعة السكر، وفي مرحلة متقدمة الملح.
المفرح، انضمام أصدقاء وأقارب لهذا النمط، وسعادتهم بالنتائج بعد وقت قصير من تطبيق التجربة، فقد زال عن أحدهم وجع الأسنان، وبات الآخر يتخلص من الخمول، وأصبح شرب القهوة والشاي أكثر متعة.
تجربة إضافية
يعد الدمج بين السكر واللحوم أمرًا مزعجًا، إذ أنه يتلف المعدة، وخاصة في الأعياد، ويمكن تجريب يوم عيد واحد دون المسحوق الأبيض، وبعدها نقارن الاختلافات التي تحصل علينا، ثم نمضي الفترة بين عيد الفطر والأضحى (نحو 70 يومًا) دون التعاطي مع هذه المادة، ونسجل كل السلع التي تخلينا عنها طوال هذه الفترة.
سنجد في قوائمنا: الحلويات المختلفة، والسكاكر، والكعك المنزلي، والعصائر، والمشروبات الغازية، والشاي، والمسليات الجاهزة، والكثير الكثير من الأطعمة، التي تصل أطباق حساء الدجاج الجاهزة، والخبز الأبيض، وأصناف الفواكه المعلبة، وبعض الفاكهة المجففة. وسنكتشف حجم السعرات الحرارية الكبير، الذي تخلينا عنه، وما كان سيجري لو أدخلناه إلى أجسادنا.
تدخل متجرًا لبيع العصائر، تطلب من النادل عصير المنجا الطبيعي، دون سكر، فيرفض، بدعوى أنهم يجهزون كمية كبيرة، ويضعون السكر والماء. الطلب نفسه تكرر في غير مكان، فكانت الحجة مشابهة ليس في شراب المنجا وحده، بل بالعصائر الأخرى، وقال أحدهم: نضيف الماء والسكر، فتتضاعف كمية العصائر، ولو أردنا بيع العصير الطبيعي، لن نجد ما نحتاجه، فالأمر مكلف، والسكر لا نستغني عنه في عملنا اليومي!
aabdkh@yahoo.com