بعد يوم واحد من زلزال العراق وإيران في العاشر من تشرين الثاني الماضي، تبدأ حمى التحليل والتحذير في وسائل الإعلام، وعلى الأغلب نستعين بخبراء علم الزلازل في دولة الاحتلال، الذين قال أحدهم "إن مسألة حدوث زلزال كبير في فلسطين ما هي إلا مسألة وقت"، في حين حذر مسؤول آخر من أن الهزة القادمة ستؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من القتلى ودمار كبير في المباني". إننا لا نستطيع منع الزلازل، ولا يمكن التوقع بلحظة حدوثها بالضبط، لكننا نستطيع تقليل مخاطرها، وهذا يرتبط بمصدرها وموقعها وقابلية الإصابة في صفوف المدنيين والأبنية على حد سواء. في الوقت الذي يتحتم علينا تحليل المخاطر وقابلية الإصابة، وتحديد أنواع التهديد، لنصل في النهاية إلى معرفة بمقدرة المجتمع ومؤسساته على مواجهة تبعات الزلازل.
|
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
اثار زلزال 1927 م في نابلس- صورة رشيفية |
مع كل هزة أرضية في دول الجوار، تصل فلسطين أو لا تصلها، يثار رعب الزلازل مجددًا، وتبرز أسئلة ثقيلة، على الأغلب لا نملك إجابات لها، حول ما الذي فعلناه حتى الآن لمواجهة الأزمة التي يمكن أن تقع في أية لحظة.
بعد يوم واحد من زلزال العراق وإيران في العاشر من تشرين الثاني الماضي، تبدأ حمى التحليل والتحذير في وسائل الإعلام، وعلى الأغلب نستعين بخبراء علم الزلازل في دولة الاحتلال، الذين قال أحدهم "إن مسألة حدوث زلزال كبير في فلسطين ما هي إلا مسألة وقت"، في حين حذر مسؤول آخر من أن الهزة القادمة ستؤدي إلى وقوع أعداد كبيرة من القتلى ودمار كبير في المباني".
ضحايا ودمار
مما نقل عن الإعلام الإسرائيلي تصريحات ما يسمى مدير لجنة التوجيه بمجلس الوزراء الإسرائيلي أمير ياهاف، وفيها "إن الزلزال القادم سيؤدي إلى مقتل 7 آلاف شخص وإصابة حوالي 370 ألفا آخرين، وسيؤدي أيضا إلى تدمير نحو 28 ألف منزل ومبنى تدميرًا كاملاً وتضرر 290 ألف منزل ومبنى بشكل جزئي، وعلى وجه الخصوص المباني التي أنشئت قبل عام 1980، مما سيجعل 170 ألف شخص بلا مأوى" >وأكد أن دولة الاحتلال ليست على استعداد كامل لهذا الزلزال المدمر الذي سيضرب أركانها قريبا، في وقت تشير جميع المعلومات الإسرائيلية والعالمية إلى أن هذا الزلزال لم يتم تحديد موعده، ولكنه سيقع قريبًا، ويضع الجميع في خطر حقيقي.
تستذكر التحقيق الذي أعددته عام 2008 بعنوان" الفلسطينيون يغمضون أعينهم.. والزلزال قادم!"، وفي مطلعه" لا يناقش هذا التحقيق آثار الهزات الأرضية المدمرة في مكان ما، ولا يشير لحادثة بعينها وما يتصل بها من مأساة إنسانية مُركبة، لكنه يسلط الضوء على التقصير في إدارة الأزمة بالأراضي الفلسطينية قبل ساعة الصفر، و يشير إلى حالة اللامبالاة في التعاطي مع واحدة من أعقد الأزمات التي تسببها الطبيعة في أقل من دقيقة. كما لا يهدف لبث الرعب وإنما يقرع جرس الإنذار، لعل وعسى...."
آثار زلزال ايران 2017
تجارب وتبرير
في شباط 2006، أشعر شخصياً، بهزة أرضية حرّكت طاولة حاسوبي، فأتصل بعد يومين بمسؤول رفيع المستوى، كي نطلق لجنة تفحص أبنيتا وجاهزيتها للزلازل. تموت الفكرة قبل أن يجف حبر اقتراحي. يرد أحد المسؤولين غير الحكوميين: "الزلازل لا تصيب أرضنا المقدسة!"
أصل الولايات المتحدة الأمريكية، وأسأل عن التصاميم الهندسية المقاومة للزلزال، فأعرف أن العمارات العملاقة، تراعي هزات الأرض، بعكس أبنيتنا القزمية التي لا يكلف أصحابها أنفسهم عناء التفكير بالمستقبل.
في صيف عام 2007، أسير في شوارع طوكيو، وأشاهد عمالًا ومهندسين يعدون العدة لتشييد عمارة تراعي الأنشطة الزلزالية، في ذلك البلد الذي تهزه الأرض فيهز العالم، من دون أن "يرمش جفن" بناية واحدة من هزات قد تُحدث في بلدنا دماراً هائلاً. بعد عودتي من بلاد الشمس، ازور مدينة طولكرم لغرض حوار صحافي مع الناشطة النسوية ندى طوير، وفجأة يرن هاتف مكتبها: تخبرنا السيدة ندى أن الجهات المسؤولة قررت إخلاء المدارس والمؤسسات لأن زلزالاً سيحدث اليوم! أضحك وأسال السيدة: هل يعقل أن نستشعر بالزلازل قبل ساعات؟ وكيف أخرج مدرسو الجغرافيا والعلوم التلاميذ وهم على يقين أن هذا لا يحدث؟
أقطع الحوار، وأتمشى في المدينة الصغيرة: اقرأ عبر شريط خدمة إخبارية محلية: الأجهزة الأمنية تحقق مع شخص أشاع وقوع الزلازل عن طريق المزاح مع صديقه!
خبير الزلازل الدكتور جلال الدبيك يشرح عن معايير تخفيف المخاطر من زلزال قوي قد يضرب فلسطين وبلاد الشام عموما
حوار ومسؤول
أحاور، وقت إعداد التحقيق، رئيس الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني د. لؤي شبانة، عبر مجموعة بريدية فلسطينية في شبكة الإنترنت بالسؤال: "هل في نيتكم تنفيذ مسح حول جاهزية المباني في فلسطين للزلازل، وبخاصة وأن خبراء اعتبروا أن الزلازل مسألة وقت، ليس إلا. والمخيف أن أحداً لا يحرك ساكنا نحو الرعب القادم؟"
يأتي الرد: " هذا عادة ليس جزءا من الإحصاءات الرسمية، بل عمل مراكز أبحاث متخصصة ويتطلب أجهزة محددة لذلك. كما أن هذا الموضوع بحاجة إلى تجميع معلومات من الجهات ذات الاختصاص مثل وزارة الأشغال العامة والإسكان ومركز هندسة الزلازل في جامعة النجاح الوطنية والمقاولين ونقابات المهندسين، لمعرفة وضع المباني في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى المؤشرات التي تعكس مدى جاهزية المباني لتحمل الزلازل، وعلى أي درجة، عدا عن المناطق المهددة أكثر من غيرها بالهزات في الأراضي الفلسطينية."
في حوار طويل ثانٍ، على هامش محاضرة علمية، يتحدث د. جلال الدبيك، الذي يحمل درجة الدكتوراه في الهندسة من جامعة كلوج نابوكا التكنولوجية الرومانية، عن أسباب الهزات الأرضية، وحركة القشرة الأرضية والصدوع التكتونية، بالإضافة إلى الموجات الزلزالية، ومقاييس درجات الزلازل، وزلزالية المنطقة العربية، والنشاط الزلزالي في فلسطين. ويتطرق إلى التشكيلات المعمارية والإنشائية الدارجة في فلسطين وأثرها على السلوك الزلزالي المتوقع للمباني. فيوضح معايير تخفيف المخاطر، وقابلية الإصابة الزلزالية لأنماط المباني الشائعة في الأراضي الفلسطينية، ومؤشر قابلية الإصابة، عدا عن التقييم الزلزالي للمباني وتحليل قابلية إصابتها، ويستعرض نتائج دراسات قابلية الإصابة الزلزالية.
زالزال ايران 2017
جاهزية ومخاطر
يستهل د. الدبيك محاضراته العلمية المتكررة: بعبارة:" جاهزية أعلى، مخاطر أقل"، ويتابع الحديث عن المخاطر التي تنجم عن الهزات الأرضية وأي ظاهرة طبيعية وصناعية، ويقول إنها تتوقف على مصدر الخطر وقابلية الإصابة، ومدى الجاهزية.
ومما يضيفه: إننا لا نستطيع منع الزلازل، ولا يمكن التوقع بلحظة حدوثها بالضبط، لكننا نستطيع تقليل مخاطرها، وهذا يرتبط بمصدرها وموقعها وقابلية الإصابة في صفوف المدنيين والأبنية على حد سواء. في الوقت الذي يتحتم علينا تحليل المخاطر وقابلية الإصابة، وتحديد أنواع التهديد، لنصل في النهاية إلى معرفة بمقدرة المجتمع ومؤسساته على مواجهة تبعات الزلازل.
ويحث د. الدبيك، المؤسسات والأفراد وصناع القرار، على انتهاج سياسة الأخذ بالأسباب، والوقاية، قبل حدوث الكارثة للتخفيف أكبر قدر ممكن من تبعاتها وويلاتها.
ويخصص حيزاً كبيراً من الصفحات لعرض مجموعة من الحقائق العلمية، المدعمة بالصور والأرقام والدراسات السابقة التي عالجت النشاط الزلزالي، واتجاه الحركة النسبية للصفائح الأرضية، كما يخصص باباً للتعريف العلمي بالظاهرة.
وقال الدبيك: إن البحر الأحمر يزداد عرضاً في كل سنة، بمعدل اثنين سنتمتر مربع، فيما تتحرك فلسطين مبتعدة عن الأردن، بمعدل من 5-7 مليمتر كل عام، وبعد قرابة 15 مليون سنة، ستصبح مدينة الخليل مكان العقبة الأردنية.
زلزال
تاريخ الزلازل
واستعرض الدبيك، العضو في مجموعة خبراء دولية للتخفيف من مخاطر الزلازل في حوض المتوسط، تاريخ النشاط الزلزالي في فلسطين منذ مئات السنين، فيشير إلى سنوات 1068، و 1204، و1212، و1402، و1339، و1546، و1656 ،1666 وهزات الأعوام1759، و1834، و1837،و1854، و1859،و1872،و1873،و1896،و،1900، 1903،و1923، و1927، و1945، و1995، ويعرض صوراً وخرائط ووثائق للزلازل الفارقة، مشيراً إلى أماكنها أما في منطقة البحر الأحمر، أو في شمال فلسطين المحتلة.
وأشار الدبيك إلى تجارب دولية في الولايات المتحدة واليابان والمكسيك والإكوادور، فمثلاً تعد ولاية كاليفورنيا واحدة من أكثر المناطق في العالم عرضة للنشاط الزلزالي، لكنها الأقل خسارة، كون الأبنية مصممة لمقاومة الهزات الأرضية، فيما انهارت مقار الدفاع المدني والمستشفيات في أمريكا اللاتينية، وقتلت أطفالاً وأعضاءً في فرق الدفاع المدني.
ويصف الزلزال بأنه رقابة جودة على الإنشاءات البشرية، فهو يستطيع تمييز المناطق المعدة جيداً من تلك السيئة.
وتابع:" يجب أن نعي تماماً أن الزلازل ليست بالضرورة عقوبة ربانية، كما يعتقد بعض الناس، فقد تكون امتحاناً لجاهزية الشعوب والدول، كما أن حصر دائرة الفساد عند الحديث عن الزلازل في مجال محدد، كالفساد الأخلاقي سهم بطريقة غير مباشرة في تعزيز الحالة القائمة عند الأمة، فالفساد يجب أن يؤخذ بمعناه الشمولي، فمن لا يجدد علمه ويتابع تطوير مهنته، ولا يأخذ العبر من تجارب الآخرين وأخطائهم يعد فاسداً."
ورسم د. الدبيك في كتبه ومحاضراته صورة سوداء للحال القائم؛ فيقول: "المعدات الثقيلة للتعامل مع الزلزال وتجهيزات الدفاع المدني ومعدات المستشفيات الميدانية ومستلزمات فرق الإنقاذ، وتوافر المساحات المفتوحة وسط المدن لتكون مسرح عمليات فرق الإغاثة، ليست في متناول اليد بالإجمال، أو متواضعة جداً."
وبلغة الأرقام، فإن عملية الإغاثة الحالية من المساعدات متوفرة بشكل ضعيف في وزارة الأشغال العامة، وضعيفة جداً في أجهزة الدفاع المدني والبلديات، كما أن الطعام الجاهز غير متوفر إلا لطواقم الإنقاذ، وليس للمنكوبين. وينحصر عدد المستشفيات الميدانية التي تتوفر وقت الأزمة بواحد فقط لجمعية الهلال الأحمر. وينحصر عدد الخيام الموجود في متناول اليد بألف ومائتي خيمة فقط. وتسعة عشر بلدوزرًا، وثلاث حفارات كبيرة، وستة صغيرة، ولا تمتلك وزارة الأشغال العامة سوى 15 شاحنة، مقابل 142 سيارة إسعاف فقط، و64 سيارة إطفاء، ولا تتوفر أية طائرة مروحية، كما أن الاحتياطي من الوقود ضعيف جداً، ولا يكفي غير أسبوع واحد فقط، في حين لا تفي قطع الغيار للمعدات المختلفة بالحاجة.
ويبقى السؤال: من سيتبنى بشكل عاجل، خطة وقائية لإدارة كارثة الهزة الأرضية القادمة؟ وأي جهة يمكن أن تلام في حال وقعت الكارثة، لا قدر الله!
aabdkh@yahoo.com