ضوء في نفق حرق الخردة في الخليل ....قريباً مصنع للتخلص الآمن من النفايات الكهربائية والالكترونية
تعمل حالياً غرفة تجارة وصناعة شمال الخليل بالشراكة مع جهات عدة، على إقامة مشروع لمعالجة مخلفات المعدات الكهربائية والإلكترونية بالضفة الغربية. الهدف من المشروع أساسا هو المساعدة في بناء مصنع لإعادة التدوير بشكل سليم، وهذا المصنع يضم الآلات التي تساعد في عملية الفرم والفرز وتقشير الكوابل، وكل النتائج التي يبحث عنها من يحرقون الأسلاك، ولكن يتم القيام بها بطريقة صديقة للبيئة. |
خاص بآفاق البيئة والتنمية
|
حرق المخلفات الكهربائية في الأراضي المفتوحة |
سرعة مذهلة في التطور التكنولوجي تجعل دورة حياة الأجهزة الالكترونية والكهربائية قصيرة جداً، فتتراكم كميات هائلة من هذه النفايات ليتم التخلص منها بطرق شتى، وغالبا ما تحظى الدول النامية بالنصيب الأكبر من هذه النفايات "قسرا" رغم أنها الأقل إنتاجا حسب الإحصاءات العالمية.
الآثار السلبية لهذه المخلفات الناتجة عن المعدات الكهربائية والالكترونية باتت تؤرق دول العالم بسبب ما يدخل في تركيبتها من مواد سامة تظهر غالبًا عند حرقها أو التخلص منها بشكل تقليدي، فأين ستذهب مليارات الأطنان من هذه المخلفات وخاصة في الدول النامية؟
تشير تقديرات مركز أبحاثٍ تابع للأمم المتحدة إلى أن حجم النفايات الالكترونية سيرتفع ليصل إلى 65 مليون طن عام 2017 حسب تقرير تم نشره في موقع "الجزيرة"، مع عدم شمول الإحصاء للثلاجات والغسالات وغيرها من المعدات الكهربائية، وحسب هذه التقديرات فإن الولايات المتحدة تتصدر أكثر الدول إنتاجا لهذا النوع من النفايات، تليها الصين وأوروبا ودول شرق آسيا.
حرق النفايات تجارة مؤذية
محلياً، آلاف الأطنان تنتجها فلسطين سنويا من هذه النفايات، مع غياب آليات صحية للتخلص منها، حيث يتم إلقاؤها بشكل عشوائي، إما على الأرصفة أو في الحاويات التي تحوي النفايات المنزلية، والأدهى من ذلك ما يقوم به الشاب هيثم-الذي فضل عدم الإفصاح عن هويته- وغيره كثيرون من حرقٍ لهذه المعدات لاستخلاص الأسلاك النحاسية والألمنيوم والحديد لبيعه حسب الوزن.
يقول الشاب هيثم أنه يعمل في جمع المعادن من الأجهزة الكهربائية في إحدى قرى غرب رام الله، يبدأ عمله ليلا في مكان ناء بعيدٍ عن منازل القرية، حيث يقوم بحرق المعدات التي يجمعها نهاراً من أماكن مختلفة لاستخراج المعادن اللازمة، وبذلك يحصل على مبلغ جيد نوعا ما من خلال بيعه للمعادن الناتجة عن الحرق، فيبيع طن الحديد بـ 300 شيقل، بينما الكغم الواحد من الألمنيوم بـ1-2.5 شيقل، وكغم النحاس من 13-14 شيقل.
على بعد أمتار من المكان تشتكي نسوة من إصابتهن بالحساسية جراء استنشاق الهواء الملوث القادم من محرقة نفايات قريبة على منازلهن، وتتهم إحداهن هذه الظاهرة في التسبب بتزايد حالات السرطان في المحيط، وظهور تشوهات لدى بعض المواليد الجدد.
ما هو ضرر هذه النفايات على البيئة، وهل الحل قريب؟
يشير د. عثمان شركس، المحاضر في جامعة بيرزيت أن عمليات الحرق تتم بشكل يومي في إذنا وفي منطقة الخليل عموماً، حيث يتم جمع أسلاك الكهرباء وحرقها لاستخراج النحاس، وهذا يؤدي إلى زيادة ثاني أكسيد الكربون وبعض الكبريت والديوكسين والغازات المضرة بصحة الإنسان، ما يتسبب بحدوث أمراض متعددة وخاصة الربو وأمراض الصدر والسرطان، وتحديداً في مناطق محافظة الخليل.
شبان في منطقة الخليل يحرقون المخلفات الكهربائية ويلوثون الهواء تلويثا مدمرا
لعنة الحرق
د. شركس وقد كان شاهداً على إحدى عمليات الحرق، يقول: "توجهت للخليل ورأيت كيف يتم جمع أسلاك الكهرباء من خلال حرق المعدات الكهربائية، كذلك يتم حرق البطاريات التي تؤدي إلى تلوث البيئة والتربة بمواد كيماوية سامة، وكذلك "الكاوتشوك" يحرق لاستخراج الحديد منه وتجميعه وبيعه على شكل فولاذ، ما يؤدي لانبعاث غازات سامة بكميات هائلة، وهذه الكميات تسبب أمراضاً في الصدر والرئتين، ناهيك عن تلوث الجو الذي يؤثر على الطقس وخاصة ثاني أكسيد الكربون وانتشاره بكميات أكثر من اللازم.
القوانين الفلسطينية والردع
يوضح د. شركس أن السلطة الوطنية الفلسطينية لديها قوانين مثل أي سلطة في العالم، ولكن القوانين غير مطبقة لغياب شرطة بيئية.
ودعا شركس إلى ضرورة تواجد شرطة ومحكمة بيئيتين، وذلك ليدفع المخالف غرامات هائلة لقاء فعلته، ففي إسرائيل مثلا لا يجرأُ أحدٌ على القيام بهذه الأعمال نظرا لوجود شرطة بيئية، ووزارة البيئة لديها سلطات قوية جدا، وقوانين صارمة، ويتم تغريم هؤلاء بدفع مبالغ طائلة، وهكذا يكون الردع وفق شركس.
حجم المشكلة في فلسطين؟
ويقول شركس أن حجم المشكلة متفاوت بين محافظة وأخرى، فالمشكلة أقل في محافظة رام الله والبيرة، حيث تتواجد فقط في أماكن مختلفة عند مكبات النفايات العشوائية وبعض القرى، وكذلك في نابلس حيث تتواجد النفايات قرب واد الباذان، ويقوم البعض بحرق الكاوتشوك، وكذلك في الشمال ( قلقيلية وطولكرم)، ولكن التركيز على محافظة الخليل نظراً لكونها مليئة بالمكبات العشوائية وتجار المعادن بحيث يتلوث منظر الطبيعة الخلاب وتتلوث البيئة.
للتخلص من هذه النفايات علينا القيام بعدة خطوات مترابطة كما يقول شركس، أولا من خلال الوعي البيئي والعمل على نشره داخل الأسر والمدارس والمساجد والكنائس والجامعات .. الخ.
الأمر الآخر هو ضرورة البحث عن السبب وراء هذه الظاهرة المتزايدة، وهي فعليا بسبب الفقر، فالأولى بالسلطات إيجاد فرص عمل لهؤلاء الأشخاص، وكذلك على أصحاب الشركات أو المصانع المبادرة لشراء الحديد أو الألمنيوم أو النحاس من التجار قبل حرقها بهدف تدويرها، كما يتم حالياً من خلال عدة شركات التعامل مع البلاستك والورق، بحيث يتم تشجيع الناس على فرز هذه النفايات وتجميعها وبيعها، وكذلك الأمر مع الكاوتشوك عبر الانتفاع به لتأسيس الملاعب والحدائق أو أي شيء عدا حرقه.
معالجة مخلفات المعدات الكهربائية والإلكترونية
مشروع صديق للبيئة يلوح في أفق مدينة الخليل
تعمل حالياً غرفة تجارة وصناعة شمال الخليل بالشراكة مع جهات عدة، على إقامة مشروع لمعالجة مخلفات المعدات الكهربائية والإلكترونية بالضفة الغربية.
مدير المشروع لؤي قباجة يقول أن فكرة المشروع أتت محاولةً لتغيير الطرق التقليدية المستخدمة لاستخلاص المعادن من الأسلاك والمعدات الكهربائية الضارة بالإنسان وبيئته.
ويشير مدير المشروع المذكور إلى أن المشكلة بالأساس تكمن في ثلاث قرى، وهي (دير سامت واذنا وبيت عوا) لوجود ظاهرة الحرق لهذه المعدات بشكل كبير.
وسيشمل المشروع هذه القرى الثلاث، مع محاولة لتوجيهه لنطاق أوسع غربي الخليل وجميع المناطق المحاذية للجدار والخط الأخضر مثل ترقوميا ودورا والتي يحصل فيها دائما عمليات الحرق، كما أوضح قباجة.
ويوضح أن الهدف من المشروع أساسا هو المساعدة في بناء مصنع لإعادة التدوير بشكل سليم، وهذا المصنع يضم الآلات التي تساعد في عملية الفرم والفرز وتقشير الكوابل، وكل النتائج التي يبحث عنها من يحرقون الأسلاك، ولكن يتم القيام بها بطريقة صديقة للبيئة.
ماكنة تقشير الأسلاك الكهربائية
مخرجات المشروع
وتكمن الفكرة الأساسية في "تمكين اقتصادي" من خلال إنشاء مصنع يدر دخلاً على تجار المعادن، أيضا هناك جزء له علاقة بالوعي، وآخر برفع مهارة العاملين بهذا القطاع من خلال تدريبهم على الآليات السليمة للتخلص من النفايات وإعادة تدويرها، وكذلك من خلال تعريفهم على أسس الأعمال والمشاريع الصغيرة بهذا المجال، بحيث يصبحون قادرين على فتح مشاريعهم الذاتية محافظين على البيئة بذات الوقت.
كما يشير قباجة لوجود جزء من النشاطات له علاقة بتغيير سلوك السكان وتدريبهم على الممارسات السليمة بهذا المجال.
وللعاملين بهذا القطاع، فإنه ستتوفر مجموعة قروض ميسرة لهم، حيث بإمكانهم أن يقوموا بإنشاء منشآتهم الصغيرة، فيما المصنع سيكون بمثابة حاضنة للكثير من النشاطات، وأيضا يمكن تمكينهم من إنشاء مؤسسة أو ورشة خاصة بهم للعمل بطريقة سليمة وصحيحة.
استثمار ضخم
"ما يهمني الآن أن العاملين يبقون على تواصل مع عملهم لكن بطرق صديقة للبيئة، وهذا من شأنه أن يرفع ويحسن وضع الاقتصاد المحلي". يقول قباجة
وأضاف أن المشروع ممول من الاتحاد الأوروبي بقيمة مليون وستمائة ألف يورو، وستنفذه إدارة غرفة تجارة شمال الخليل بالتعاون مع مؤسسةCESVI الايطالية وجمعية الأراضي الخضراء للتنمية الصحية، بالشراكة الكاملة مع بلديات مختلفة ومع مديريات الحكم المحلي والاقتصاد الوطني وسلطة البيئة كما أوضح قباجة.
ويثني شركس الذي سمع عن المشروع بأي استثمار في هذا المجال (الورق والحديد والألمنيوم والزجاج) من شأنه توفير فرصٍ كثيرة يحتاجها الشباب، إضافة إلى حماية البيئة والصحة.