دراسة تتوقع أن تشهد المنطقة العربية في السنوات القادمة المزيد من الاضطرابات والاعتصامات بسبب تأثير المياه على إمدادات الغذاء والحبوب وأسعار الخبز ومياه الشرب
عمان/ القدس العربي: توقعت دراسة بحثية معمقة بأن تشهد السنوات القليلة المقبلة في المنطقة العربية المزيد من الإضطرابات والاعتصامات، بسبب تأثير المياه على إمدادات الغذاء والحبوب والأخص أسعار الخبز ومياه الشرب وخدمات الصرف الصحي، لاسيما وأن ثلاثة عشر دولة من بين 22 بلدا أعضاء في جامعة الدول العربية، تعتبر من بين دول العالم الأكثر ندرة وفقرأً في إمدادات المياه.
ويمكن اعتبار الدراسة التي قدمها وزير المياه والزراعة الأردني الأسبق الدكتور حازم الناصر لجهات دولة متعددة، أول بحث مباشر للعلاقة بين ظاهرة “الربيع العربي” ومسألة العجز المائي، حيث اعتبرت ان نقص المياه في البلدان العربية، هو من أسباب عدم الاستقرار في المنطقة العربية على المستويين المحلي والإقليمي.
واعتبرت دراسة الدكتور الناصر الذي يعتبر من الخبراء الدوليين في مجالات المياه، أن مؤسسات الحكم غير الفاعلة والمترهلة والفساد وعدم الشفافية، مسائل ساهمت في زيادة ندرة المياه والإخلال في إمداداتها في معظم الدول العربية، وقد أدى هذا الى استيراد معظم احتياجاتها من المواد الغذائية بأسعار مرتفعة، ويعتبر القمح مثال جيد في حالة مصر، خصوصا وأن الدول العربية هي أكبر مستورد للحبوب في العالم.
ولاحظت الدراسة أن الأسعار المحلية للمواد الغذائية الأساسية في خريف عام 2010، إرتفعت إلى حد كبير بسبب ندرة المياه المرتبطة بالجفاف في روسيا.
وفي الأردن وعلى سبيل المثال، والتي تعتبر واحدة من أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم، فقد شهدت مدن جرش (ساكب) والمفرق (منشية بني حسن) أعمال شغب واضطرابات اجتماعية في وقت مبكر من عام 2007 بسبب ندرة المياه وانقطاعه.
وتعتبر اليمن واحدة من دول العالم الأكثر شحاً في موارد المياه، حيث ارتفعت أسعارها عدة مرات منذ العام 2011 والسبب هو ارتفاع أسعار وإمدادات الوقود المستخدم في ضخ المياه من طبقات المياه الجوفية العميقة، والتي تتعرض لضخ جائر كبير أدى الى نضوب معظمها، ونتيجة لذلك، فمن الممكن ان تصبح صنعاء أول عاصمة بالعالم بدون مياه إذا لم تتخذ الحكومة اليمنية ما يجب من إجراءات وبالسرعة الممكنة.
أزمة المياه والتحديات الكبيرة
وقالت الدراسة التي خص بها صاحبها القدس العربي بعدما صدرت باللغة الإنجليزية، لقد ساهم الوضع المائي المزمن وانعكاساته السلبية على الحالة الاجتماعية والاقتصادية في تعظيم إشكالية انقطاع إمدادات المياه لفترات طويلة، وما صاحبها من معاناة أدت إلى انتفاضة وطنية ضد النظام السياسي.
ومن الواضح جدا أنه عندما يخفق المواطنون فى تلبية الاحتياجات المائية والغذائية الأساسية لبيوتهم وأطفالهم، فأنهم سيلتحقون بمن يعدهم بالتغيير المنشود للوضع الراهن الكئيب.
وتحدثت دراسة الناصر عن مخاوف رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من تزايد الغضب الشعبي في بلاده بسبب تردي البنية التحتية ونقص المياه وتلوثها، مشيرة بأن جزءا لا بأس به من التوتر بين العراق وتركيا وسوريا سببه إشكالية تقاسم المياه في ظل هيمنة تركيا على منابع دجلة والفرات، مع قلق المالكي من نوعية مياه النهرين بسبب إجراءات تركيا الأحادية.
أما الانتفاضة السورية التي انطلقت شرارتها الاولى في ريف مدينة درعا، حيث كان السبب الرئيسي هو احتجاج عدد من الشبان على اعتقال ذويهم المزارعين الذين حفروا الآبار بطريقة غير قانونية، وذلك لتلبية احتياجاتهم الأساسية من قمح وغيره، مما أدى الى اصطدامات مع النظام السوري أوصلت البلاد الى ما هي عليه الان.
وحاجج الناصر بأنه من الصعب التكهن بتعزيز إدارة المياه في هذه الدول عبر التغييرات السياسية الناتجة عن "الربيع العربي"، معتبرا ان مواصلة الإصلاحات في قطاعات المياه على المستوى الوطني وتعزيزها على المستوى الإقليمي، وخلق ممارسات إدارية صحيحة ومستدامة لموارد المياه، إضافة لاستعادة الحقوق العربية في المياه الإقليمية.
وسألت الدراسة: هل ستستمر حكومات "الربيع العربي" الجديدة باستغلال هذه الموارد النادرة على المدى القصير بطريقة غير مستدامة لتحقيق مكاسب سياسية لتعزيز شعبيتها بين المواطنين.
وتوقعت الدراسة ان تضطر الحكومات الجديدة وقادتها السياسيين الذين تم انتخابهم في ليبيا ومصر والدولة حديثة العهد في جنوب السودان، بالتفاوض على توزيع مياه حوض النيل وموارده السطحية والجوفية، وسيكون هنالك على الأرجح تركيز على الأمن المائي وعلاقته بالإمدادات الغذائية من خلال مشاريع الزراعة المروية، وبناء السدود ولن يغيب عن بال هؤلاء القادة في مداولاتهم حقيقة أن زيادة الأسعار، كانت واحداً من أهم العوامل التي أدت إلى الانتفاضة العربية من المغرب الى المشرق، والمرتبطة ارتباطا كبيرا بإمكانية توفر المزيد من المياه.
وإذا- قالت الدراسة- أخدنا بعين الاعتبار زيادة الوعي السياسي والاقتصادي بين بلدان "الربيع العربي" وحاجة مواطنيها لإثبات أنهم فعلاً يتطلعون الى المستقبل بنظرة شمولية طويلة الأمد، فعليهم أن يتبنوا أسس ومبادئ الإدارة المتكاملة للموارد المائية كنهج مستقبلي.
وهذا يتطلب عقد المزيد من الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي من شأنها أن تدير الموارد المائية الشحيحة على نحو مستدام واستثمارها بطريقة تنموية متوازنة، تحفظ وتأخذ بعين الاعتبار حق واحتياجات الأجيال القادمة في مياه نقية قليلة الكلفة.
وأشارت الدراسة الى احتمالية أن يساهم غياب اتفاقيات إقليمية عادلة لموارد المياه في شمال إفريقيا، إلى توتر وعداء بين دول "الربيع العربي" فدول الجزائر وليبيا وتونس لديها تفاهمات حول مواردها المائية الجوفية المشتركة ولكن مصر وليبيا والسودان لا يوجد لديها والى ذلك الحين, أي الانتهاء من هده الاتفاقيات، فسوف تستمر هذه الموارد عرضة للاستغلال الجائر والتلوث وخلق التوتر السياسي بين هده البلدان المتجاورة, إلا أن هذا الواقع يطرح السؤال التالي البسيط ولكنه ذو أبعاد كبيرة وخطيرة " من الذي بيده السلطة الآن؟ أخدين بعين الاعتبار البيئة السياسية والديمقراطية الجديدة بين دول “الربيع العربي” ومادا نحن فاعلون حيال قضية المياه؟.
في الواقع – يشرح الناصر- حدثت مشكلة مشابهة في الفترة الأخيرة ما بين الأردن ومصر ولكن على الطاقة بدلا من الماء، حيث قامت مصر بقطع إمدادات الغاز عن الأردن عبر خط الغاز الذي يزود الأردن وبلدان أخرى بما تحتاجه من الغاز، ولكن لو كان هدا الخط لتزويد المياه بدلا من الغاز لتدهورت العلاقات بين الأردن ومصر إلى أبعد من ذلك بكثير.
وفي الخليج العربي وعلى الرغم من البحبوحة المالية التي تعيشها هده الدول، فإن الوضع لا يختلف كثيراً عما هو في الدول سابقة الذكر، فدول النفط العربية بقيادة المملكة العربية السعودية تستثمر بكثافة في البنية التحتية للمياه وخدمات الصرف الصحي لمواكبة الطلب المتزايد على الاحتياجات المائية للأغراض المنزلية والصناعية، وتستثمر بكثافة في جيل جديد من محطات التحلية مجهزة بتكنولوجيا متقدمة لتلبية الطلب على المياه، لاسيما أنه لا يوجد لديها أنهار وأمطارها قليلة جداً، وحيث أنه لا خيار لدول الجزيرة العربية سوى الاعتماد على أنظمة تحلية المياه عالية الكلفة والتي من الممكن لها أن تتحمل كلفتها نظراً لتوافر الطاقة الرخيصة لديها، إلا أنها لن تكون قادرة على تحمل خدمات المياه والصرف الصحي السيئة وغير الكفؤة والتي تم التخطيط لبعضها من خلال سياسات خاطئة وغير مجدية، استخدمت المياه الجوفية الثمينة والنادرة لأغراض الزراعة المروية وإنتاج محاصيل ذات قيمة اقتصادية واجتماعية منخفضة.
وأضافت الدراسة أن الواقع السياسي السابق وتداخلاته يثبت أن الحاكمية الرشيدة للمياه، هي تعريف سياسي بالدرجة الأولى يحكمه الخيارات السياسية المتاحة لتحقيق التوازن بين المصالح المتنافسة على من يحق له خدمات المياه؟ وكيف يتم توفير الخدمات؟ ومن الذي يدفع كلفتها؟ وكيفية ايجاد التوازن المنشود بين الأطراف المتنافسة ويقع أيضاً ضمن هدا المفهوم القرارات بشأن كيفية حماية الموارد المائية، وفي خلاف ذلك فإنها ستؤدي وبسهولة إلى انهيار الحاكمية وما يتبعها من عواقب سياسية واجتماعية واقتصادية سلبية ذات صلة.
واذا علمنا بأن مساحة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تمثل 10% من مساحة الكرة الأرضية، إلا انها تحتوي على أقل من 1% من موارد المياه العذبة في العالم، وفي المقابل يعيش على أراضيها 5% من سكان العالم, وعلى الرغم من هذا الواقع فإن بعض الدول العربية ومع قلة مواردها المائية العذبة المتجددة والمتاحة، فإن نصيب الفرد يضاهي معدلات استهلاك المياه الأعلى في العالم. ولذلك يبقى التحدي الأكبر في المنطقة هو: "كيفية تحقيق التوازن بين الموارد المائية القليلة المتاحة مع زيادة الاستهلاك الناتج عن النمو السكاني السريع، في ظل تناقص معدلات المياه السطحية ونضوب المياه الجوفية وتلوثها، لاسيما وان 45% من مياه الصرف الصحي لا يتم معالجتها ويعاد استخدام 20 % من ما يتم معالجته".
واستشرافا للمستقبل وحتى بعد استقرار "الربيع العربي" والذي قد يستغرق سنوات عديدة قادمة، فإن ندرة المياه ونقص الإمدادات الغذائية وارتفاع أسعار السلع الأساسية ستشكل تحديات كبيرة لقادة وحكومات "الربيع العربي" وهي نفس التحديات التي أشعلت الصحوة العربية، إلا أنها هده المرة ستكون أكثر صعوبة من سابقتها ما لم تقم هده الحكومات بالتخطيط السليم لمواردها المائية وللنمو السكاني المضطرد، في ظل مبادئ وأسس الحاكمية الرشيدة الصحيحة سابقة الذكر.
وأوصت الدراسة بعدة مقترحات من بينها تعزيز الحاكمية الرشيدة ووضع إستراتيجيات إقليمية ووطنية تأخذ بالاعتبار الأطر القانونية لتقاسم المياه لتجنب الصراعات وإتباع أسس الإدارة المتكاملة لموارد المياه، وزيادة الاستثمار في القطاع مع إطلاق صندوق تمويل إقليمي للاستثمار في النفقات المطلوبة للبنية التحية، الأمر الذي يثبت الحاجة الملحة والحتمية لبناء إستراتيجيات سليمة للمياه في ظل حاكمية رشيدة.