l مشاهد بيئية
 
 
مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
آذار 2013 - العدد 52
 
Untitled Document  

مشاهد بيئية :

شذرات بيئية وتنموية

أبراج الخلوي وكابوس السرطان وعشوائية الزراعة وعذاب الثلج والصقيع في أوكرانيا

اوكرانيا بيوت قديمة

عبد الباسط خلف:

قوصين
تابعت وسائل الإعلام المحلية حالة الهلع في قرية قوصين، غرب نابلس، والتي ربط سكانها بين تفشي مرض السرطان في صفوفهم وبين أبراج الاتصالات الخليوية.
ومما نشرته صحيفة الحياة الجديدة، منتصف شباط الماضي:" يعيش أبناء قرية قوصين غربي نابلس في حالة غضب شديد، بسبب ما قالوا إنه ازدياد في انتشار مرض السرطان خاصة خلال الثلاثة أعوام الماضية، وبات المرض يشغل عقول أبناء القرية والبالغ عددهم حوالي 2000 نسمة."
وأضافت: وأصيب منهم( سكان القرية) بالمرض خلال الثلاثة أعوام الماضية 25 شخصا. وشهدت القرية (...)حملة احتجاجية نظمها مجلس قروي قوصين بمشاركة غالبية سكان القرية لتسجيل احتجاجهم على أبراج شركتي جوال والوطنية تحت شعار (نريد قوصين خالية من السرطان)، معربين عن اعتقادهم أنها السبب الرئيسي في انتشار المرض في القرية وأوضح احمد يوسف سلمان رئيس المجلس القروي، أن أكثر من 20 شخصا، اصيبوا بالسرطان، توفي منهم حوالي عشرة أشخاص، فيما لا يزال عدد آخر يتلقى العلاج في المستشفيات، وأحدهم في حالة الخطر الشديد.
وفي الثامن عشر من شباط ذاته، نشرت الحياة الجديدة، تغطية حول قيام عشرات المواطنين الغاضبين في القرية بإشعال النار في برج تابع لشركة الوطنية للاتصالات الخلوية، فيما قام الدفاع المدني بإطفاء الحريق، وقامت قوة من الأمن الفلسطيني بإبعاد الاهالي عن محيط البرج، وحالت دون وصول الأهالي الى برج شركة جوال بهدف إحراقه.
وكتبت الصحيفة: "جاءت هذه الأحداث، بعد بضعة ساعات من اجتماع عقد في نادي القرية بحضور ممثلين عن محافظة نابلس وعضو المجلس التشريعي د. نجاة أبو بكر، ورئيس المجلس القروي أحمد سلمان، وعدد من أهالي القرية
وأوضح جمال الباز عضو لجنة مكافحة التلوث التابعة لمجلس قروي قوصين، أنه كان من المقرر عقد اجتماع  في نادي قوصين الرياضي بحضور ممثلين عن شركتي "جوال" و"الوطنية"، بهدف تقديم وجهة نظر الشركتين فيما يتعلق بما يشاع حول مخاطر أبراج الشركتين على الأهالي، في ظل ازدياد نسبة الاصابة بالسرطان. وأشار الى أن الأهالي فوجئوا بعدم حضور ممثلي الشركتين، بحجة تعرض أحد الأبراج للاعتداء، فيما حضر الاجتماع مدير شؤون البيئة في المحافظة أمجد جبر، والممثلة عن محافظة نابلس مي حجاوي، اضافة لعضو المجلس التشريعي د. نجاة أبو بكر
وأضافت: من جهته، طلب مدير شؤون البيئة أمجد جبر من الأهالي مدة محددة من أجل أخذ العينات وفحص كل المصادر والعناصر المحيطة والمسببة في انتشار المرض، فيما طالبت عضو المجلس التشريعي نجاة أبو بكر، المسؤولين عن الأبراج بضرورة الإثبات علمياً أنه لا يوجد شيء يؤكد أن المرض منتشر بسببها، وأكدت أن المجلس التشريعي لو كان يعمل، لما وصلت الأمور إلى هذا الحد، وانتقدت أبو بكر ما قالت بأنه تأخر في معالجة المشكلة .

وكانت"آفاق البيئة والتنمية" عقدت ندوة مطولة في آب 2009، شهدت جدلاً علمياً ونقاشاً حاداً حول ابراج الاتصالات الخليوية، ومما جاء فيها من عناوين: "جوال" و"الوطنية موبايل" ملتزمون بالمعايير الدولية وصحة المواطن تهمنا. باحثون وممثلو لجان شعبية يطلقون نداءات لإعادة نشر الأبراج ويحثون على تنفيذ دراسات علمية وطبية ميدانية وقياسات محايدة.  سلطة جودة البيئة: ملتزمون بالمعايير ومتشددون أكثر في إجراءات الأمان . أعضاء في لجان مناهضة الهوائيات: قبل أن تدعم  شركات الخلوي فرق الرياضة الأولى فلتدعم الأبحاث الطبية.  رئيس بلدية دالية الكرمل (قضاء حيفا):  تخلصنا من الهوائيات وأثبتنا أنها سبب ارتفاع نسب الإصابة بالسرطان واختفاء الطيور!  وزارة الصحة الفلسطينية: الأبحاث الطبية  لم تثبت عدم وجود علاقة بين الأبراج والإصابة بالأمراض ومن حق المواطن أن يخاف على صحته. لجنة المشهد (قضاء الناصرة): مبالغ باهظة لأصحاب البيوت لقاء تركيب هوائيات فوقها تصل أحياناً إلى  ستة آلاف دولار شهرياً، و أجرة البيت نفسه مائتي  دولار فقط! ما يسمى "دائرة أراضي إسرائيل" رفضت طلبات شركات الخلوي بوضع أبراجها في مناطق الأحراج، حرصا على سلامة الحيوانات البرية من الإشعاع!! سامي ناصر: ألاحظ وجود خلل عندي، وأطفالي الخمسة نومهم ليس عميقاَ بسبب الأبراج.  كما نوقشت في تلك الندوة وثيقة لوزارة الاتصالات الفلسطينية حول إجراءات الأمان في مواقع البث لنظام الهاتف الخلوي تثير الشكوك حول الهوائيات.

بندورة!
تكاد ثمار البندورة تكون مؤشراً على سوء تخطيط القطاع الزراعي برمته، وعدم قدرتنا على تنظيمه، فتقلب أسعارها الواضح هبوطاً وصعوداً، يًدلل على غياب التخطيط السليم. ولا يعقل أن لا نجيد التحكم بأسعار سلعة أساسية كالبندورة، فيما نتحكم بأسعار خدمات كمالية وأساسية كثيرة.
أحاور مزارعاً وبائعاً متجولاً، حول سر سيدة السوق هذه، التي تحولت اليوم للجلوس في ذيل القائمة. يقول الفلاح الشاب سامي صبحي: يكلفنا إنتاج الصندوق الواحد بين 20-25 شيقلاً بالمعدل، ولكننا اليوم نبيعه بعشرة شواقل وأقل، وفي بعض المناسبات النادرة، يكون سعره بين 80 و120 شيقلاً، ولكن بإنتاج شحيح، ولا نعرف سبب هبوط الأسعار لهذه الدرجة.
أما البائع حسين علي، فيقول: جيوب الناس فارغة، وننادي بأعلى صوتنا على الزبائن من دون جدوى. الكثير منهم لم يقبض راتبه، ومن فتح الله الدنيا بوجوههم لا يأكلون البندورة، حينما تكون رخيصة.
والمفارقة، وفق حسين، أن سعر كيلو البصل الممتاز في هذه الأيام يصل إلى 6 شواقل، وعادة ما يهبط الثمن إلى  شيقل واحد وأقل للكيلو في الصيف!

سعيد وكيرتش
تحاور الصديق والصحافي سعيد أبو معلا عبر شبكة "الفيس بوك"، حول زيارته إلى أوكرانيا، وكيف صار يدوّن مفارقات بيئية عن ذلك البلد، مقارنةً بوطننا السليب.
يقول:  16ساعة بالقطار، 4 ساعات بالباص بعد رحلة قصيرة بالطيران من اسطنبول إلى كييف العاصمة، خلال تلك المساحات لم نر خضارا قط، في الطريق من كييف إلى كيرتش (مدينة في شبة جزيرة القرم) كانت السهول شاسعة لدرجة خرافية تشعرك بالخوف، فيما الأشجار طويلة لكنها جرداء إلا من أغصان رمادية وطيور منفوخة من البرد ساكنة هادئة أو نائمة، غابات كاملة على مد البصر من دون أن ينبت منها ورقة خضراء..
ويزيد: بدا لي أن الثلج الذي يتساقط ويستمر لشهور أفقد هذه البلاد روحها ولونها الحقيقي، بدا لي أيضا أنه قبل أن يمنح الشتاء الأوكرانيين الحياة (الخضار والربيع والورد والبهجة...الخ) فإنه يذيقهم ألوان القسوة والعذاب، لذلك يحتاط الأوكران في كل شيء، تخيلوا مثلا: مئات أنواع التطالي / المربيات) من أشياء نتخيلها وأخرى لا تخطر على بالنا البتة، هنا يقوم البسطاء والفلاحون بتخليل كل شيء وصولا إلى البندورة والباذنجان...الخ..
ويستأنف أبو معلا: "للجدة أولغا" سقيفة (سدة) مقسمة لجزأين، الأول: خاص بالعصائر الطبيعية تماما، لذيذة بطريقة لا مثيل لها، وللمخللات، والثاني: "للمربيات" على اختلافها، هي محترفة في تأمين عائلتها من الشتاء القاسي.
في بدايات وجودي استغربت ذلك، لكن بعد أن توغلت في سوق المدينة المركزي ورأيت أسعار الخضروات والفواكه اكتشفت السبب وذابت الحيرة بفرحة المعرفة، الأسعار هنا جنونية بكل المقاييس، مثلا كيلو الخيار أو البندورة يتجاوز (15 شيقل بعملة فلسطين)..
ويدون: الشتاء في بلادي أكثر رحمة وجمالا وأقل قسوة مهما تشدد في برده معنا، من أول "مطرة" ينبت العشب، الناس في بلادي تأكل من الأرض خلال الشتاء وتشبع، فيما الناس في أوكرانيا وغيرها من الدول المماثلة تذوق العذابين، ومع ذلك هم يتكيفون على واقعهم الذي يعرفونه جيدًا، فإضافة إلى المربيات والعصائر يتم تجفيف كل شيء (تماما مثلما يتم تخليل كل شيء)؛ السمك بأنواعه، اللحوم، الفطر، وحتى الخضار والفواكه أيضا..
ويقول مفتتناً: واضح في اوكرانيا وتحديدا في كيرتش إهتمام السكان حد الهوس بالنباتات الخضراء والمزهرة حيث يضعونها على نوافذهم المطلة.. منذ ايام أربعة في كيرتش ولم اصادف بيتا واحدا من دون مجموعة كبيرة من النباتات الخضراء التي يحجبها عن الخارج البارد والمليء بالثلج نوافذ زجاجية فيما من الداخل ستائر بيضاء منمشة ..
ملهمة كيرتش في ذلك.. مشهد جمعي آخاذ يهتم بالنباتات بطريقة مدهشة.. حتى انني تعثرت على نباتات ثلاث تزرع في فلسطين منها الخبيزة وقرن الغزال المهجن والسجاد تزين نوافذ بيوت المدينة الصغيرة والكبيرة على السواء، تلك التي تخص الأغنياء أو الفقراء على السواء ...
ويروي حكاية جدتة الثالثة أولغا أو بابوشكا أولغ: هي محاسبة متقاعدة، وزوجة قبطان جاب البحار وجلب لها المغامرات والتذكارات، عارفة بأمور البلد السياسية والاقتصادية، تصف البرامج التلفزيونية على القنوات الروسية والأوكرانية بأنها "سيرك يومي" (طبعا مثلنا تماما)، تمشي بهمة شاب مع أن عمرها تجاوز السبعين، طباخة ماهرة لكن في الطبخ الصحي، ربة بيت مميزة وناجحة، على سدة/ سقيفة بيتها أكثر من 20 نوع مخللات ومثلها مربيات وعصائر. ويوالي: في جولاتنا معًا كانت تجوب السوق وتختبر الأشياء بدقة متناهية، تعيش برفقة "ليزا" القطة الإيرانية منذ أكثر من 14 عاما، تضع أحمر شفاه خفيف مبهج بعد أن تخرج كعادة النساء كبيرات السن هنا.. تحدثني كثيرا رغم معرفتها أنني لا افهم الروسية وأقول بالروسية "دا" فتبتسم... خفيفة دم، حكاءة (حكواتية) مثيرة تسرق الانتباه، منذ أقل من أسبوع إلا قليلا، تحبس زوجتي في غرفة نومها ليلا وتحدثها عن أشياء أتخيلها وأخرى لا أتخيلها، مؤمنة بالله، تعاني من مرض السكري لكنها بوعي من تحب الحياة، تهتم بصحتها كطبيبة ... 
ويستأنف: طوال الطريق من كييف إلى كيريتش بالقطار والباص، لفت انتباهي أن أعمدة الإنارة أو الكهرباء كبيرها وصغيرها مصنوعة من الاسمنت والحديد، مع أن البلد مليئة بالغابات والأشجار العالية، عند الاستفسار عن هذا الأمر، أخبروني أن الاوكراني لا يحب قطع الشجر، والخشب هنا غالي الثمن، وهم يرون أنه طالما هناك إمكانية لاستبدال الأعمدة لتكون من الاسمنت والحديد فلماذا تذبح الأشجار..؟
وينهي: المنازل في كيرتش صغيرة، من 40 - 60 مترا مربعا للمنزل الواحد يكبر قليلا أو يصغر، حتى عند ذوي الحال اليسير، اتضح أن المنزل الصغير أغلى ثمنا من الكبير، والسر يكمن في القدرة على تدفئته في الشتاء القاسي الطويل.

التعليقات
الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية