May 2010 No (25)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا
ايار 2010 العدد (25)
نهاية نظام التكاذب مع أريحا وفيها: المكان والبيئة والتاريخ والأسطورة ألعاب مصنعة في الشرق الأقصى تحوي مواد سامة وملوثات بيئية العولمة والتغيرات المناخية خبراء يطالبون الحكومات العربية بأن تكون أكثر شفافية في مسألة ندرة المياه خبراء بيئة يحثون الدول العربية على استخدام الطاقة المتجددة لمواجهة تداعيات تغير المناخ جمعية بيت المستقبل في خانيونس توقع اتفاقية لزيادة وعي المزارعات بالقضايا البيئية جمعية خريجي جايكا اليابانية في فلسطين تكافح البعوض بيولوجيا تدريب الصيادين الغزيين على طرق الصيد الحديثة غير الضارة بالبيئة البحرية هيئة البيئة بأبوظبي تطلق حملة دولية لجزيرة بوطينة لتكون ,واحدة من عجائب الطبيعة السبع أمريكا تضع قواعد جديدة لخفض استهلاك وقود السيارات والشاحنات اكتشاف أقدم منشأة شعائرية في شبه الجزيرة العربية بأم القيوين رطب ناميبيا تزين موائد الطعام في الإمارات في فصلي الشتاء والربيع هيئة البيئة أبوظبي تفوز بجائزة التميز في تطبيقات نظم المعلومات الجغرافية ما هي الضربات التي نتلقاها بسبب استعمالنا الواسع للسيارات الخاصة؟ تنزيلات في رسوم الكهرباء للمواطنين الذين يخفضون استهلاكهم لها!   توليد الكهرباء من النفايات الصلبة والزراعية الشركات المفتقرة لأجندة بيئية ستختفي من الوجود ابن خفاجة يُحادث البيئة في الأندلسزهـرة مـن أرض بـلادي: كـف الـدب التسوق الصديق للبيئة جبل التجربة(جبل القرنطل)  كتاب "طيور فلسطين" للباحث سيمون عوض: تعانق العلم بالجمال   فخرية عباهرة: "أنا سيدة الصابون"  

ندوة العدد في بداية سنتها الثالثة
مسؤولون وخبراء يدعون لتشكيل لوبي مناخي سياسي لكشف دور الاحتلال الإسرائيلي المدمر للمناخ ووضع حد له، ويقترحون إطلاق بنك معلومات وطني بيئي

 

تغطية خاصة:

  أوصى متخصصون ومسؤولون في ندوة تجليات التغير المناخي في فلسطين ببذل جهود تنسيقية أكبر وبناء نظام مؤسسي لتوثيق الاعتداءات الإسرائيلية على البيئة، وتوضيح مسؤوليتها في  تفاقم التغير المناخي. وحثوا الجهات المسؤولة لضبط تمويل المشاريع في مجالات البيئة. وطالبوا بإعادة الاعتبار لاستراتيجيات تنموية تراعي حساسية البيئة، بالتوازي مع تطبيق الخطة التطويرية الإستراتيجية للتكيف مع تغير المناخ. وأطلقوا الدعوة بغية التركيز على الإطار القانوني الذي يجب أن يُسخر لمساعدة المواطنين وزيادة قدرتهم على التكيف مع التغيرات المناخية، كإصدار قانون التأمينات الزراعية؛ باعتباره واحدا من أهم القضايا التي تعمل على تخفيف حدة الجفاف. مثلما اقترحوا  إيجاد رقم وطني يوثق لحال البيئة وتداعياتها وما تتعرض له من انتهاكات، وتأسيس بنك وطني بيئي لخدمة المؤسسات والمراكز البحثية. وحثوا على تشجيع البحوث العلمية التطبيقية لمراقبة التغير المناخي وتطوير آليات لنزع فتيله. وأطلقوا الدعوة لإقامة شرطة بيئية لتفعيل بنود قانون البيئة. وحثوا وسائل الإعلام الفلسطينية على تبني قضايا البيئة والمناخ.  واقترحوا تشكيل لوبي مناخي سياسي تشارك فيه الوزارات والسلطات المعنية والمنظمات والمؤسسات الفلسطينية المعنية وجهات ومؤسسات عربية وعالمية؛ لشن حملة عالمية ضد الاحتلال تستند إلى المعطيات والوقائع العلمية المناخية، لكشف الدور الإسرائيلي المدمر للمناخ وفرملته ووضع حد له.  على أن تشمل المؤسسات الدولية المعنية بتغير المناخ مثل IPCC (اللجنة بين الحكومية المنبثقة عن الأمم المتحدة) وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP وغيرها.

زراعات  خضراء
وطالبوا ضرورة تبني السلطة الفلسطينية، بعامة، ووزارة الزراعة بخاصة، الزراعات العضوية والبلدية كإستراتيجية رسمية، وبالتالي التركيز في المؤسسات الحكومية والمدارس والجامعات والمنشآت والمؤسسات العامة والخاصة على شراء واستهلاك الأطعمة البلدية والعضوية، التي لا تستخدم فيها الأسمدة الكيماوية النيتروجينية التي تعمل على زيادة نسبة غاز الميثان في الجو، وتبقى بعيدة عن المبيدات الكيماوية الملوثة للتربة وللمياه الجوفية وللهواء، والتي تلحق أضراراً بالغة بالصحة العامة.
ودعوا إلى سن وتطبيق قوانين خاصة بالمساحات الخضراء وزيادتها، بدل التوسع الحجري والإسمنتي الواسع في المدن والأرياف، على حساب الأراضي الزراعية والمساحات الخضراء، وبالتالي الإكثار من زراعة الأشجار والتشجير على نطاق واسع ؛ حيث إن الشجرة الواحدة تمتص كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وفي المقابل، ينبعث منها كمية من الأكسجين تكفي لحياة أربعة أشخاص. 
وكانت "آفاق البيئة والتنمية"  استهلت بداية عامها الثالث بندوة حوارية حملت عنوان: "تجليات تغيرات المناخ في فلسطين والحلول البيئية الممكنة".  وناقش متخصصون ومسؤولون تجليات التغيرات المناخية في فلسطين، بخاصة، وفي المشرق العربي، بعامة. وسلطت الضوء على التدابير الواجب اتخاذها للتكيف مع التغيرات المناخية المتوقعة، أو للتخفيف من حدة آثارها في منطقتنا.
وشارك في مداولات الندوة نائب رئيس سلطة جودة البيئة جميل المطور، ومدير عام التربة والري في وزارة الزراعة، د.قاسم عبده، ورئيس دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت د.عثمان شركس ومستشار الري في جمعية الإغاثة الزراعية المهندس إياد مشعل، والباحث ومسؤول تحرير المجلة الزميل جورج كرزم، في وقت كان من المقرر أن يشارك فيه رئيس سلطة المياه د. شداد العتيلي، فيما أدار مناقشاتها الصحافي والكاتب عبد الباسط خلف.

أجندة
وكانت النقاشات قد تناولت الأخطاء العلمية والمنهجية لتقارير لجنة IPCC (اللجنة بين الحكومية الخاصة بتغير المناخ) المنبثقة عن الأمم المتحدة ومدى مصداقية هذه المرجعية العالمية. بجوار تعاظم الجفاف وتناقص كميات الأمطار وارتفاع متوسط درجة الحرارة في فلسطين، فضلا عن الزيادة الضخمة في الانبعاثات الإسرائيلية والدور الإسرائيلي المدمر للمناخ، إضافة إلى التجليات البيئية للتغيرات المناخية في منطقتنا، من نواحي طبيعة الأراضي ونوعية التربة، والموارد المائية، وأحوال الطقس، والفصول المناخية، والزراعة. بموازاة الحديث عن الإجراءات الممكنة في المستوى الزراعي، لمواجهة التغيرات المناخية التي قد تتفاقم نحو الأسوأ في السنوات القادمة. كما سلطت الضوء على كيفية الجمع بين ضرورة التنمية الاقتصادية بما يلبي احتياجات وتوقعات شعبنا، من ناحية، وبين مسئوليتنا في حماية بيئة بلدنا وفرملة التدهور المناخي الحاصل، من ناحية أخرى، وكيفية تجسيد عملية الجمع في القرارات والخطط والسياسات، وشخصت الممارسات البيئية، في المستويين الفردي والجماعي، التي تساهم في التخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، وبالتالي التغير المناخي.
 واستهل  الصحافي عبد الباسط خلف أعمال الورشة، بالإشارة إلى الفلسفة التي تسعى المجلة لتكريسها، في وضع قضايا بيئية حساسة على أجندة المسؤولين، نظراً لشح اهتمام وسائل الإعلام الفلسطينية في القضايا البيئية. وقال: ناقشت المجلة في أربعة وعشرين عددا سابقا جملة من القضايا الخطرة: كأبراج شركات الاتصالات الخلوية وإشعاعاتها، وإهمال الجهات المختلفة لمسألة الزلازل، وكشأن الأغذية المعدلة وراثياً وتدمير الأراضي الزراعية، وحال المياه، وانعكاسات المحرقة الإسرائيلية في غزة، وغيرها.

اعتلال مناخي
وأضاف: "شهد هذا الشتاء بوضوح ما يمكن أن نسميه بـ"اعتلال مناخي"، بحيث شعر القاصي والداني بأن الطقس ليس بأحسن أحواله. منذ بداية الموسم المطري الراهن، بدأت بتدوين الانعطافات الحادة التي عشناها، كما أن المحاصيل الزراعية نضجت قبل أوانها."
وقال مدير عام التربية والري في وزارة الزراعة قاسم عبده إن تقلبات المناخ في فلسطين قديمة، وورد ذكرها في القرآن الكريم والإنجيل. وحالياً نحاول التوجه إلى مفهوم الإنذار المبكر والاهتمام بالجفاف والمياه.
وأشار عبده إلى محاولات وزارته تنسيق الجهود بالشراكة مع سلطة جودة البيئة والإغاثة الزراعية؛ لغرض تحفيز وزارة النقل والمواصلات على إعادة توزيع محطات الرصد الجوي.
وأضاف: "دور الاحتلال في التغير المناخي قديم، إذ سعى إلى نصب مصائد للغيوم في المناطق الشمالية، لمنع وصولها إلى الجهات الجنوبية. كما عملت على تجفيف بحيرة الحولة، ونقلت المياه عن طريق الناقل القطري إلى الجنوب."

التوثيق أولاً
وتابع عبده: "نحتاج إلى توثيق تجليات التغير المناخي بالأرقام والوثائق ، وتوضيح ما يفعله الاحتلال ببيئتنا من تدمير وتخريب وتلويث."
وطالب بتوخي الحرص والدقة في التعاطي مع التعريفات والاصطلاحات، وعدم الوقوع في التسميات الإسرائيلية، فثمة فرق بين  شح المياه وسوء إدارتها وجفافها وسرقتها ونقصها.
وقال: تراعي استراتيجة القطاع الزراعي التغير المناخي، ونهتم مثلما يهتم علم "الفينولجي" بالتغيرات الحاصلة على الإنسان والنبات والحيوان في دورة حياته.
وفق عبده، فإن الجزم بالتغير المناخي، رغم حدوث بعض المؤشرات، مسألة تحتاج إلى وقت طويل. أما الأمطار في فلسطين فكميتها هذه السنة  تصل إلى 93 في المئة من المعدل الموسمي، لكن المشكلة في توزيعها؛ وهذا يؤثر على الكثير من المحاصيل والزراعات البعلية وغيرها.
يروي: "الأمر صعب، ويحتاج إلى دراسات وأبحاث تطبيقية، ولتبني مفاهيم جديدة في الزراعة، وزيادة الموارد، واستغلال المصادر الهامشية وغير التقليدية."
وتابع مدير عام التربة والري يقول: "لدينا مشكلة كبيرة في التزامنا بمبدأ إدارة الأزمات، وعدم اتخاذنا إدارة الكوارث ومخاطرها في الاعتبار."

22 محطة رصد جوي
وذكر مستشار الري في جمعية الإغاثة الزراعية إياد مشعل، أن جمعيته بدأت في العمل منذ  ست سنوات على إنشاء 22 محطة رصد جوي، وجمعنا بيانات ومعلومات، ووفرنا قاعدة بيانات. مثلما بدأنا في تجارب قبل ثلاث سنوات، في الزبابدة قرب جنين، لبناء نظاما للري، يوضح للمزارعين الطريقة المثلى لري مزروعاتهم، وفق احتياجاتها، وليس بناء على تقديراتهم، بيد أن المزارع لا يقتنع ولا يلتزم بإرشادات المهندس الزراعي.
وتابع: "ليس لدينا في فلسطين محطات لقياس تلوث الجو، وبخاصة أن نسب ثاني أكسيد الكربون المنبعثة فيه كبيرة، بسبب المركبات القديمة المنتشرة."
وكشف مشعل عن مساعي جمعيته لإطلاق محطتين لقياس تلوث الهواء، واحدة في رام الله والأخرى في أريحا، بتكلفة 80 ألف دولار، بوسعها قياس الانبعاثات وإرسالها لحظة بلحظة إلى موقع الكتروني.

مشكلة عالمية ودور رقابي
وقال نائب رئيس سلطة جودة البيئة جميل المطور إن التغير المناخي والاحتباس الحراري مشكلة عالمية تواجه البشرية، وتؤثر وتتأثر بها.
وأضاف: "دور سلطة البيئة يتصل بموضوع الرقابة والتشريعات والسياسات والمعايير والمؤشرات المرجعية، ولدينا بعض المؤشرات والسياسات الإستراتيجية القطاعية للبيئة، التي تغطي المناخ."
وأكد المطور: "نحاول توثيق الانتهاكات الإسرائيلية بحق البيئة والمناخ بقدر الاستطاعة وبما تيسر لنا من أجهزة تقنية. وحاولنا في وقت سابق بالتعاون مع مؤسسة محلية بناء نظام يقيس كل الانبعاثات النيتروجينية وثاني أكسيد الكربون في الأراضي الفلسطينية، وتؤسس لقاعدة معلومات يومية، لمعرفة وضع الجو والتلوث، وهذا سيساعدنا كصناع قرار لاتخاذ إجراء لمواجهة أي مشكلة."
وفق نائب رئيس سلطة جودة البيئة، فإن لدينا مشكلة حقيقة مع الرقم الموثق في قضايا البيئة، فليس بوسعنا قياس بعض المتغيرات.
ويتابع: "لسنا سبباً فيما يحدث من تغير مناخي، قياساً بالاحتلال. فليست لدينا صناعات تسبب الانبعاثات، فما لدينا بسيط جداً. لكن مشكلتنا الأكبر تتمثل في المياه، وغياب سيطرتنا على مواردنا وتحكم الاحتلال بأكثر من 85 في المائة من ثروتنا المائية".  ووجه المطور الدعوة لبناء رقم وطني يتسلح بالمعلومة الصحيحة، لبناء تقرير وطني، وقال:  "أنجزنا إستراتيجية التكيف مع التغير المناخي مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي".
وكشف المطور النقاب عن مصادرة الاحتلال الإسرائيلي لجهاز قياس الإشعاع الوحيد الذي كان متوافراً في غزة، والذي راقب لفترة التلوث الإشعاعي من مفاعل ديمونا.
وتابع: هناك خطر حقيقي من المصانع الإسرائيلية في منطقة طولكرم، لكننا لا نملك دراسات ووثائق وأرقاما توثق وتؤكد حجم الضرر الذي تنتجه، وتأثيراتها السلبية.
ينهي: "هاجمنا الاحتلال في المحافل الدولية، وطالبنا الأمم المتحدة بتحقيقات في التدمير الذي أحدثه والتلوث الذي أنتجه."
وقال رئيس دائرة الجغرافيا في جامعة بيرزيت د. عثمان شركس، إن  التغير المناخي لا يعرف حدوداً، وهو متغير من بلد لآخر. لا مصانع لدينا، والمشكلة في  المصانع الإسرائيلية التي تنقل إلينا انبعاثاتها مع الرياح.

لغة البدائل
وأضاف: "ليست لدينا القدرة على إنجاز أبحاث لقياس الانبعاثات، فنلجأ إلى تطوير مؤشرات ذاتية وبدائل، كمقارنة النباتات المحمية بالمكشوفة كي نقنع الآخرين بوجود تغير مناخي، ونضطر أحياناُ إلى إجراء مقارنات تتصل بالتربة وتدمير المراعي ورصد آثار مقالع الحجارة، ونجبر على توثيق ذلك بالصور الفوتوغرافية!"
وروي: "أشرف حالياً على طلبة دراسات عليا، وقد احتاجوا لأرقام ومعطيات إحصائية لتأثيرات الأمطار على أشجار الزيتون، بيد أنهم لم يحصلوا للأسف على بيانات رسمية من وزارة الزراعة. كما أننا نعاني غياب التنسيق بين جهات الاختصاص، ولدينا تضارب في أرقامنا ومعطياتنا ومشروعاتنا الممولة عشوائياً، وتنقصنا الأموال اللازمة لشراء أجهزة دقيقة، ونعاني العجز في الناحية البحثية، التي تحتاج لدعم مخطط له وجهد."
وتساءل: "هل البحث والتوثيق في انتهاكات الاحتلال البيئية وتسببه بتغير المناخ، بحاجة إلى قرار سياسي لشراء أجهزة ولرصد الانتهاكات؟"
واستعرض شركس التجربة المصرية التي كان شاهدا عليها، من وحي زيارة ميدانية للصحاري. إذ  شجعت السلطات البدو على حفر  آلاف الآبار، وأصبحت المناطق القاحلة تنتج خضرواتها بنفسها. وتمنى أن نعمم النموذج المصري عندنا، وإطلاق مشاريع للحصاد المائي.

معطيات
واستعرض الباحث ورئيس تحرير"آفاق البيئة والتنمية" جورج كرزم،  ما نشر مؤخرا  من بحث جديد بَيَّنَ أن متوسط درجة الحرارة في فلسطين ارتفع في العقود الأخيرة بمقدار ضعفي ارتفاع الحرارة في سائر أنحاء العالم.  وفي مقابل ارتفاع الحرارة، سجل أيضا، بنفس الفترة، انخفاض كميات الأمطار في معظم أنحاء البلاد، مما جعل فلسطين أكثر جفافا. 
وقال: "نشر هذا في المجلة العلمية "climatic change "،  وحلل معطيات قياس محطات الأرصاد المنتشرة في البلاد في الفترة الواقعة بين 1970 و2002. ودلت المعطيات الإحصائية على اتجاهات ومؤشرات بارزة تمثلت في ارتفاع درجات الحرارة في مختلف أنحاء فلسطين.  وقد سجل الارتفاع الحراري الأهم في المنطقة الساحلية الوسطى (يافا، والرملة وغيرهما) وفي النقب (بئر السبع) حيث ارتفعت درجات الحرارة بدرجة ونصف درجة خلال العقود الثلاثة الأخيرة.  وقد يبدو هذا الارتفاع قليلا؛ لكن، بالمقارنة مع متوسط التسخين العالمي خلال السنوات المئة الأخيرة والبالغ نحو 0.8 درجة، فإن سرعة ارتفاع الحرارة في فلسطين أكبر بمرتين من متوسط التسخين العالمي."
ووفق البحث، فقد سجل على طول مستوى الساحلين الجنوبي (أسدود وغزة) والشمالي الارتفاع  الحراري الأكثر اعتدالا، وتحديدًا بين نصف درجة وثلاثة أرباع الدرجة.  وفي المقابل، لم يسجل أي انخفاض في الحرارة في أي من المناطق الأخرى. 
وبحسب كرزم، قد فسر الباحثون ظاهرة ارتفاع الحرارة في فلسطين أكثر من المتوسط العالمي، بقولهم إنه لدى احتساب متوسط التسخين العالمي يتم أيضا دمج المناطق التي بردت خلال القرن الأخير.  كما أن التغير المناخي لا يحدث في جميع مناطق العالم بنفس الطريقة؛ إذ إن فلسطين تقع في منطقة مناخية حساسة، وتحديدا بين المناخ الصحراوي ومناخ البحر المتوسط شبه الرطب؛ ومن هنا تنبع التغيرات السريعة.
ولم يكتف الباحثون بتحليل المعطيات المتعلقة بدرجات الحرارة فقط، بل درسوا أيضا كميات المتساقطات.   
ومما أورده كرزم: "فقد تمكن الباحثون، عبر عملية الدمج بين معطيات درجات الحرارة والأمطار، من احتساب مؤشر الجفاف في فلسطين، الذي درج العمل به في إطار أبحاث المناخ.  ولم تكن نتائج الحسابات مشجعة؛ إذ بينما بقيت كميات المتساقطات في الساحل، خلال نفس الفترة، ثابتة إلى حد كبير، نجد أن كميات الأمطار أخذت تنخفض بشكل جدي كلما اتجهنا شرقا، أي نحو داخل فلسطين.  ولو أضفنا إلى ذلك ارتفاع درجات الحرارة، فسنجد ارتفاعا كبيرا في مؤشر الجفاف؛ وبخاصة في المناطق الشرقية والجنوبية، وهي ذات المناطق التي تميزت باتجاهها نحو الجفاف، بل، ومع الوقت، أخذت تتحول إلى مناطق جافة جدا." يوالي: "خلاصة القول، باستثناء منطقة الساحل، أصبحت فلسطين، خلال العقود الأخيرة، أكثر جفافا."
وأضاف: "في سياق تفسيره لظاهرة ارتفاع الحرارة في فلسطين أكثر من المتوسط العالمي، اكتفى البحث السابق بأن عزا المسألة إلى طريقة احتساب متوسط التسخين العالمي؛ متجاهلا الزيادة الضخمة في الانبعاثات الغازية الإسرائيلية، خلال العقود الأخيرة، وبخاصة ثاني أكسيد الكربون، مما أثر بشكل كبير ومباشر على ارتفاع درجات الحرارة في فلسطين، وبالتالي على التغير المناخي الواضح فيها. "

انبعاثات
وتابع كرزم: "في الوقت الذي يطمح فيه العالم إلى تقليل الانبعاثات الغازية بنسبة 20%  على الأقل عن مستواها في عام 1990، وذلك حتى عام 2020، فإن الأمر في إسرائيل لا يقتصر على أن انبعاثاتها لن تقل، حتى عام 2025، بل هي ستزداد بعشرات في المئة."  
ومما قاله، لا تزال إسرائيل تولد معظم طاقتها الكهربائية بطرق بدائية قديمة وخطيرة وملوثة جدا للبيئة الفلسطينية، وتحديدا من الفحم الذي يحرق لتوليد الكهرباء.  وتؤدي عملية حرق الفحم إلى انبعاث كميات كبيرة من الملوثات المسببة لأمراض خطيرة وارتفاع نسبة الوفيات في المناطق المحيطة بمحطات الطاقة العاملة على الفحم، فضلا عن تسببها في ارتفاع نسبة الاحتباس الحراري وبالتالي تسريع التغيرات المناخية التي تشهدها فلسطين.  ومن المعروف أن الفحم يسيء جدا للبيئة وللصحة العامة ويزيد كثيرا غازات الدفيئة في الجو.  فحرق الفحم وتغيير حالته الصلبة إلى الغازية يجعله الوقود الأحفوري الأكثر خطرا على الإنسان والبيئة والمناخ.
وأشار: "يُعد إنتاج الكهرباء في إسرائيل والقائم أساسا على حرق الفحم، مصدر نحو 60% من إجمالي الانبعاثات الغازية الإسرائيلية المدنية.  ومن المتوقع أن يتضاعف استهلاك الكهرباء في إسرائيل حتى العام 2025، مما سيضاعف كمية غازات الدفيئة المنبعثة.  وبالرغم من أن الانبعاثات الصادرة عن دول المنطقة تشكل أقل من 1% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، إلا أن حصة إسرائيل من هذه الانبعاثات هي الأكبر.  ففي إسرائيل ينبعث 11.8 طن غازات دفيئة للفرد سنويًا، أي أكثر من المتوسط للفرد في الدول الأوروبية والبالغ 10.5 طن."

عدوان الاحتلال يفاقم المشكلة
وذكر الباحث كرزم: "تسببت الحروب التي شنتها إسرائيل في السنوات الأخيرة، فضلا عن المناورات والتدريبات والعمليات العسكرية العدوانية اليومية الموجهة ضد الفلسطينيين والعرب في فلسطين ولبنان وغيرهما، في انبعاث مئات ملايين الأطنان من ثاني أكسيد الكربون وسائر غازات الدفيئة.  وتعادل كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة نتيجة للنشاطات العسكرية الإسرائيلية العدوانية تلك الكمية الناتجة عن تسيير عشرات ملايين السيارات في شوارع فلسطين وسائر أنحاء الوطن العربي."
ومضى يؤكد، منذ عام 2000 حين اندلعت انتفاضة الأقصى الفلسطينية، مرورا بحرب تموز 2006 ضد لبنان، وانتهاء بحرب الإبادة الأخيرة على قطاع غزة، بخاصة، وكذلك العمليات والتحركات العسكرية اليومية المكثفة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 بعامةـ منذئذ تقدر كميات الوقود التي استهلكتها الآليات والمعدات العسكرية الإسرائيلية بمليارات اللترات. 
وتابع: "كمية ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن حرق هذه الكمية الضخمة من الوقود تقدر بعشرات ملايين الأطنان، دون الحديث عن النشاطات العسكرية التي نفذتها والحروب التي خاضتها إسرائيل في العقود السابقة لانتفاضة الأقصى."
وقال: "يمكننا كذلك الزعم، بأن كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة سنويا من النشاطات والعمليات العسكرية الإسرائيلية تفوق تلك التي تنتجها مجتمعة عشرات الدول الغربية المتوسطة أو الكبيرة. "

بصمة كربونية وآثار تدميرية

 وأردف: "إذا أردنا التعبير عن خطورة الدور الإسرائيلي في تفاقم الانبعاثات الغازية في المنطقة وبالتالي دورها في التغير المناخي الحاصل، باستخدامنا لمؤشر البصمة الكربونيةـ وهو سلم لقياس مساحة الأرض التي يحتاجها الفرد للحياة بنمط معين ـ نجد عندئذ أن إسرائيل تملك أكبر البصمات الكربونية في العالم." 
وأنهى: "لو علمنا أيضا أن المعدل العالمي للبصمة الكربونية هو 22 دونما للفرد، فعندئذ، سنجد أن الولايات المتحدة تتصدر هذا السلم؛ إذ إن البصمة الكربونية لديها 95 دونما للفرد، ثم تليها كندا: 64 دونما للفرد، وفي المرتبة الثالثة إسرائيل: 53 دونما للفرد. وبينما ينقص الولايات المتحدة 46 دونما للفرد؛ فإن إسرائيل ينقصها 49 دونما للفرد، وبهذا تكون هذه أكبر فجوة عالمية بين المطلوب والموجود."

 

 

الأسم
البريد الألكتروني
التعليق
 
مجلة افاق البيئة و التنمية
دعوة للمساهمة في مجلة آفاق البيئة والتنمية

يتوجه مركز العمل التنموي / معاً إلى جميع المهتمين بقضايا البيئة والتنمية، أفرادا ومؤسسات، أطفالا وأندية بيئية، للمساهمة في الكتابة لهذه المجلة، حول ملف العدد القادم (العولمة...التدهور البيئي...والتغير المناخي.) أو في الزوايا الثابتة (منبر البيئة والتنمية، أخبار البيئة والتنمية، أريد حلا، الراصد البيئي، أصدقاء البيئة، إصدارات بيئية – تنموية، قراءة في كتاب، مبادرات بيئية، تراثيات بيئية، سp,ياحة بيئية وأثرية، البيئة والتنمية في صور، ورسائل القراء).  ترسل المواد إلى العنوان المذكور أسفل هذه الصفحة.  الحد الزمني الأقصى لإرسال المادة 22 نيسان 2010..
 

  نلفت انتباه قرائنا الأعزاء إلى أنه بإمكان أي كان إعادة نشر أي نص ورد في هذه المجلة، أو الاستشهاد بأي جزء من المجلة أو نسخه أو إرساله لآخرين، شريطة الالتزام بذكر المصدر .

 

توصيــة
هذا الموقع صديق للبيئة ويشجع تقليص إنتاج النفايات، لذا يرجى التفكير قبل طباعة أي من مواد هذه المجلة
 
 

 

 
 
الصفحة الرئيسية | ارشيف المجلة | افاق البيئة والتنمية