تموز  2009 العدد (16)

مجلة الكترونية شهرية تصدر عن مركز العمل التنموي / معا

July 2009 No (16)

 

لماذا "آفاق البيئة والتنمية" ؟

منبر البيئة والتنمية الراصد البيئي

أريد حلا

أصدقاء البيئة

شخصية بيئية

تراثيات بيئية

اصدارات بيئية - تنموية قراءة في كتاب البيئة والتنمية في صور الاتصال بنا الصفحة الرئيسية

 

شخصية بيئية:

 

أستاذ الكاراتيه والتاي تشي أسامة الشريف

"عليك أن تكون حكيماً وتخلق توازناً جسدياً ونفسياً حتى تنسجم مع الكون"

أراد أن يكون مختلفاً في عالم التشابه المرضي

 

حاورته: ربى عنبتاوي

خاص بآفاق البيئة والتنمية

 

يقطن في بيت حجري قديم في القدس العتيقة تحيطه شجيرات وزهور. خضرةٌ  مطلوبة بعيداً عن نمط الامتداد الحجري الخانق. يعتاد كل يوم تخصيص جزءٍ من الوقت لممارسة الرياضيات الروحية كالتاي تشي واليوغا، وسط طقوس هادئة وأجواء مساعدة بعيداً عن ضوضاء العالم الخارجي.

منذ بدأ مسيرته سالكاً هذا الدرب،  شارك ما تعّلم مئات الشبان والفتيات، ليكون أحد القليلين المختلفين في زمن هوس التشابه. سنسي أسامة الشريف كما يناديه تلاميذه هو أستاذ الكاراتية والتاي تشي في جمعية الشبان المسيحية في القدس ورئيس الاتحاد الفلسطيني للكراتيه "شيتو ريو". الخمسينيّ . الزوج والأب لخمسة أبناء، والباحث الدائم عن الحكمة، في حديث خاص مع آفاق البيئة والتنمية .

 

- في البداية حدثنا عن اهتمامك بالرياضة الروحية ، وما هي الدوافع وراء ذلك ( حادثة أو نقطة تحول )؟

" البحث عن الحكمة" جعلني أسير نحو الرياضة الروحية، فالنفس عالم عجيب بحاجة إلى مساعدة، فكما أن الشر يتغلغل أحياناً إلى الإنسان فان الخير أيضاً يعود إليه إذا كان مسيطراً على نفسه. فإذا كان الإنسان في موقف غاضب أو في مرحلة صعبة، عليه أن يفكر دائماً بالنتيجة لأنه من الممكن في حالة الغضب أن يظلم، يرتكب جريمة أو يضرب من هو أضعف منه، لذلك يجب السيطرة على الغضب بحكمة.

 ولأنني عايشت أوقاتاً صعبة، كنت اشعر أن هنالك ما ينقصني بالفعل، بسبب الضغط النفسي الذي نعيشه، فكلما أصبح الإنسان أكثر عصبية ضعفت نفسه، فالإنسان الذي لديه سرعة غضب تركيبته تعتبر ضعيفة، فكلما كبر تفكير الإنسان تماسك. فالشخص الذي يغضب باستمرار هو عدو لدود لنفسه وهو الذي يقاتلها ويقضي عليها بدون قصد. كما أن الغضب يؤثر على الجهاز العصبي والمعدة والكلى ويرفع ضغط الدم ويسبب ضيق التنفس والصداع ونوبات القلب. ويؤثر الغضب على العقل فوراً، لأن العقل يتوقف عن التفكير ويتصرف بحالة لا عقلية بسبب عدم تدفق الدم إلى الدماغ وهنا يفقد العقل سرعة الإحساس، واستجابةً لهذا التأثر تنطلق العاطفة.

إيماني بالتغيير على الصعيد الشخصي، دفعني للبحث عن الهدوء والسكون والخلوة، فسافرت إلى شرقي آسيا وهناك تتلمذت على يد العديد من الخبراء الصينيين في التاي تشي واليابانيين في الكاراتيه.
كما قمت بالمشاركة في العديد من المعسكرات الدولية وجبت العالم بحثاً عن روح الكاراتيه والتاي تشي إضافة إلى القراءة والتثقف بالرياضات الروحية، مما كان له  تحول كبير في حياتي العملية والاجتماعية، لأصبح أكثر توازناً ومن ثم امتهن تدريب الفنون القتالية والروحية في وطني.

 

- كيف أصبحت مدرباً لتلك الرياضات ( كاراتيه ، تاي تشي ، اليوغا) وما هي الصعوبات التي واجهتها لكونك الأول في إدخالها إلى فلسطين؟

أنا أمارس الكاراتيه منذ 36 عاماً، والتاي تشي منذ ما يقارب 16 عاماً، أما اليوغا فأنا أمارسها كهاوٍ وليس كمحترف، ولكنني أشجعها كثيراً، لشعوري الكبير بان هذه الرياضة هامة نظراً للظروف التي نعيشها. وقد كان إصراري كبيراً لنشرها في وسطنا المحلي فإذا كنا بحاجة إلى 100 طبيب فنحن بحاجة إلى ألف مدرب تاي تشي ويوغا، لان سبب الأمراض جميعاً هو نفسي، فإذا تعب الفكر اتبعه الجسد كاملاً، وإذا ارتاح الفكر ارتاح الجسد، من هذا المنطلق كان هدفي نشر ما تعلمته واختبرته لغيري من الناس.

 

- حدثنا عن أهمية اليوغا والتاي تشي والكاراتيه لخلق توازن صحي متكامل ؟؟

تنقية الفكر من المشاكل بحاجة إلى طريق تجعل العقل مستقراً غير قلق أو مليء بالأفكار والرغبات المختلفة مثل : العواطف ، الغضب ، الخوف والحقد ، مما يجعل الإنسان يتعذب ، يتألم، و يصدر عنه اضطراب نفسي بسبب التأثير الخارجي و يعاني التشويش العاطفي بسبب إفراز الغدّد . التأمل يمكن أن ينظّم الهورمونات  والإفرازات من خلال القدرة على تنظيم السيطرة على العواطف والعقل، وهكذا ينشّط توازن الإفرازات وتتقلص الصعوبات العاطفية والعقلية بشكل تدريجي، بدون جهد أو إحباط، ويصبح العقل هادئا ومركزاً، وبمعنى آخر جاهزاً للتأمل العميق.

أغلب البشر تبحث عن السكون آجلا أم عاجلا،  لأنه القوة الروحية التي لا يعرفها إلا القليل من الناس . تجربتي هذه ناتجة عن سنوات طويلة من ممارسة التأمل الواعي، الذي بحثت من خلاله التغييرات الرئيسية في الجسم والعقل، قد يعاني الإنسان قليلاً في البداية، ولكنه في نفس الوقت يستطيع أن يكون قادراً على تفتيح فكره وإدراكه وإحساسه، لكي يتحمل التيارات التي تواجهه خلال الحياة ويحاربها بقوة بالطاقة الروحية، التي تنتج من التأمل والممارسة المنتظمة، التي تساعد على إبقاء الحماسة الداخلية والخارجية بنقاوة ضرورية في المرحلة المتقدّمة للتطوير الروحي.

فإذا بدأ الإنسان في ممارسة التاي تشي مبكرا في حياته، فإن هذا سيخفض من إمكانية إصابته بمرض السرطان أو تطوير مراحل مرض السكري، مرض القلب والأمراض الجدّية الأخرى، لان الجسم يستجيب حسب أهواء الإنسان إما إلى المرض أو الراحة.

 

- إلى أي مدى تنسجم هذه الرياضة مع البيئة وتساهم في إيجاد محيط بيئي أفضل ؟

لا بد من الإقرار بأن أسلوب الحياة الذي نعيشه صعب جداً، طريقة حياتنا، تعاملنا مع أنفسنا ومع الآخرين، مما يخلق حولنا بيئة شاقة، متعبة، عصبية، مضطربة، مشاكسة، حقودة وحسودة، أي يخلق طاقة سلبية؛ فالبيئة المحيطة بنا تؤثر علينا ما يسبب لنا عوامل مؤثرة لحدوث أمراض خطيرة وبالتحديد السرطان.

 فهنالك أدوارٌ تلعب في تهيئة هذا المرض وأهمها أسلوب الحياة ً يليه بعض الغذاء خاصة الدهون التي تتحول داخل الجسم إلى مواد شديدة السرطنة، ثم الدخان الذي نشربه أو  الرصاص الذي ينتج من عوادم السيارات ونتنفسه ويختلط بالغذاء بنسب مرتفعة وخاصة في الماء،  المبيدات الحشرية والروائح التي تنبعث من المبيدات الحشرية تعتبر مادة خطيرة.

يمكن الحد من انتشار السرطان عبر تجنب الإفراط من التعرض لأشعة الشمس ، تفادي التلوث أو التسمم بالمبيدات الحشرية، تجنب استخدام المواد الحافظة للأطعمة أو المضاف إليها اللون و الطعم، تجنب التعرض لبعض المواد السامة مثل الأسبستوس خاصةً في مجال الصناعة، تجنب احتساء الخمور، الامتناع عن التدخين،  التقليل من تناول الدهون والإقلال من تناول التغذية الغنية بالدهون. ونخص هنا الدهون المشبعة أي الدهون الحيوانية الموجودة باللحوم والسمن الحيواني والقشدة والألبان الدسمة ومنتجاتها.

وبالتأكيد فإن الرياضة الروحية لها تأثير كبير على البيئة التي تحيط بنا وتؤثر علينا، فمن خلال تمارين هذه الرياضة نكتسب الاسترخاء والهدوء والتوازن مما يجعل الإنسان يتعامل بطرق تبعدنا عن التعقيد، وتخلق لنا بيئة صحية إيجابية غير سلبية، وتجعلنا نتكيف مع البيئة التي تحيط بنا.  

 

  -إلى أي مدى تتطلب الرياضات الروحية نظاماً غذائياً معيناً ؟

الأكل يعطي قوة وصحة للجسد والفكر والروح، التخمة سببها الرئيسي الإسراف في الأكل السيء والملوث، مما يسبب امراضاً كثيرة منها: القلب والالتهاب المعوي والربو والضغط وتصلب الشرايين وسرطان المعدة، ومن خلال ما أشاهده لدى كثير من الناس ألمس غياب الرحمة في التعامل مع الجسم، فنحن نخلق عدواً داخلنا بأيدينا يحاربنا وينتصرعلينا. إن أجهزة الجسم بحاجة ماسة إلى طريق صحيح لنوعية الأكل وكميته، فالبداية تكون بشرب الماء قبل الأكل بربع ساعة وبعد الأكل بنصف ساعة فالدم يتغير من خلال أكلك وشربك، فلا تجعل فمك يلتقط الأكل مثل الحاوية ولا تكن مثل الزهور الصناعية بلا روح، فلا تشرب الدخان والخمور والمشروبات الغازية لأن كل ما يدخل إلى جسمك يتحول إلى الدم.

 ابعد الضرر عن نفسك كما قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ( صوموا تصحوا )، ولا تجعل معدتك مقبرة للحيوانات الميتة من خلال التهام اللحوم فأنت لست اسداً، كن على دراية بماذا تمسك بيدك وماذا تدخل في فمك، ولا تكن ضعيفاً أمام الأكل، فتناول الأكل ليس الهدف منه التسلية أو الفوضى في التهامه، فالأكل الفكري والعقائدي هو الأكل الصحي المرن، فانت المسؤول عن أكلك وآلام جسدك، حتى إن طب علم الأبدان حدد أن الشخص المريض تظهر أمراضه من خلال رائحة عرقه. اجعل الجسم متوازناً ( ين ويانغ ) انثى وذكر، فاذا أخذت الكثير من السكر فأنت بحاجة إلى الكثير من الملح، والأفضل أن تبتعد عن السكر والملح؛ لذا عليك أن تأخذ القليل من كل شيء .

 ولا تنس أن تأخذ الكثير من الماء لأن قوة الإنسان تشبه قوة الأرض، فالأرض يوجد بها 70 % ماء والباقي أرض ، أي أن القوة هنا هي قوة مائية، قوة السوائل، والرجل فيه 70 % ذكر و30 % أنثى أي أن القوة ذكرية هنا، أما المرأة ففيها 70 % انثى و30 % ذكر، أي أن القوة هنا أنثوية، لذا فهنالك أمراض أنثوية وأمراض ذكرية، هذا هو توازن الحياة فلا يوجد صحة جيدة دون تغذية جيدة، ادخل في جسدك واشعر به، ارجع ووازن بين الين واليانغ أي اجعل مقابل الضغط والقلق راحة، وتأكد أن تناول الخضروات والفاكهة تجعلك مسترخياً ومرتاحا.

تعلم أن تقوم من النوم براحة، راقب نفسك عندما تأكل اللحوم وماذا يحصل لك من تعب وآلام في الرأس وتراجع في التوازن وظهور العصبية والاستكبار والعجرفة وقسوة القلب، ولاحظ كيف يدب الكسل فيك. الطبيب لا يعطيك إلا الدواء، أما التغذية من الطبيعة فتعطيك الشفاء، ابتعد قدر الإمكان عن الأكلات السريعة والسكاكر، لا تأكل ما يضرك .

تجنب ضعف الإرادة والانجراف وراء الشهوات والحواجز التي تمنع الانسان من أن يعيش بصفاء وبحب وبحرية، كما أن الوعي والحكمة والإرادة تقضي أن ينتبه الإنسان إلى بدنه، ليس مطلوبا منك أكثر من نصف ساعة لتعيش مع نفسك، وترى ذاتك الداخلية لكي تتعامل معها بصدق، فالقلب بمقدوره أن يرى أو يسمع أو يدرك نفسه الحقيقية، فأنت والكون واحد، فلا يوجد جسد سليم دون عقل سليم، فلا يأتي السرطان إلا من الأكل السيء والتفكير السيء، عالج الأمراض والأعراض والأسباب، وتأكد أن الأكل الملوث يلوث الافكار ، وإذا شعرت بأن هنالك تعباً في الفكر، تأكد أن هنالك خطأ في الجسد لأن جزءاً كبيراً من الروح مات بسبب الفكر والأكل السيء، لذا عليك أن تسمع صرخة الجسد، ولا تنس قول الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة ( وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ).

 

-عدا عن إتقان الرياضات الروحية ، ما هي أهم الدروس التي تسعى إلى إيصالها لطلابك؟

السيطرة على ما يمكن السيطرة عليه فعلا من دون إرهاق للنفس، التركيز على التنفس العميق البطيء ، تعويدهم  إطلاق كلمة لا  في الأمور التي تسبب التوتر، إيجاد مساحة من الوقت ( 20 دقيقة في النهار ) للتركيز على جعلها فترة للاسترخاء، البعد عن جو التوتر ومكانه، اختيار الأطعمة المهدئة ( الفواكه والخضار) والعصائر بدل القهوة والشاي والكولا، التحدث عن مشاكلك أمام شخص تثق به، كتابة الانفعالات التي مررت بها أثناء النهار والتركيز على أسبابها في محاولة لتفاديها في المرة المقبلة، النظر إلى الأمور السلبية بعين ايجابية وعدم التفكير بالعمل حال ترك مكان العمل، النظر للجانب المتفائل والمرح من الحياة ، وأخيرا التحرر من الصفات العصبية بالنظر والتدقيق في صفات الهادئين  نفسيا وجسديا .

 

-أسامة الشريف في المنزل ، كيف ينظم حياته وكيف يلائم بيته ليتكيف مع روحانية ما يعلّم؟؟

- أولاً أنا اهتم بالزراعة بشكل كبير ولدي بستان صغير في بيتي أهتم به بشكل مستمر، كما أنني استمع إلى الموسيقى الكلاسيكية الصينية وأحرق الزيوت العطرية لشم عطرها الذي يؤدي للاسترخاء.

 

- في أوقات الفراغ ما هي هوايات أسامة الشريف؟

القراءة والبحث، السباحة، المشي وتمارين التنفس والخلوة مع النفس.

 

- في الختام مقولة جميلة تعلمتها من الحياة وتود مشاركتها مع القرّاء؟

الماء له لون واحد ولكن له طعمين: عذبا ومالحا، وهكذا الإنسان له شكل واحد ولكن له مزاجين: إيجابيا وسلبيا.

للأعلىé

 
 

 

التعليقات

 
 

 

هل ترغب في التعليق على الموضوع ؟

 

الاسم:
بريدك الالكتروني:
 
التعليق:

 

 
     
 

 الآراء الواردة في مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مركز معا أو المؤسسة الداعمة.